تحتفل الولايات المتحدة، الاثنين، بأيقونة الحقوق المدنية، مارتن لوثر كينغ جونيور، الذي ساهم في تغيير وجه أميركا، فيما يتعلق بحقوق الأميركيين من أصول أفريقية.
ولد مارتن في الخامس عشر من يناير 1929، في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا، حيث سادت أبشع مظاهر العنصرية والتمييز، التي سعى إلى محاربتها بالأساليب السلمية.
مارتن كان ناشطا حقوقيا وقسا، استطاع الحصول على درجة الدكتوراة في علم اللاهوت، وساهم بشكل كبير في تنظيم أول احتجاج لحركة الحقوق المدنية للأمييركيين من أصول إفريقية بتنظيم "مقاطعة لحافلات النقل في مدينة مونتغمري".
وعُرف مارتن بجملته الشهيرة في أغسطس 1963، عندما تحدث في مسيرة للمطالبة جمعت نحو ربع مليون شخص عند نصب الرئيس الأميركي أبراهام لينكولين التذكاري عندما قال "لدي حلم".
كان مارتن بطل الكفاح السلمي من أجل الحقوق المدنية للأميركيين السود رجلا منهكا هرم قبل ألاوان من شدة ما عاش من محن، حين قتل برصاصة أطلقت عليه من شرفة فندق في ممفيس بولاية تينيسي. وحدث ذلك في الرابع من أبريل 1968، وكان في التاسعة والثلاثين من العمر.
ورغم تعرضه باستمرار لمضايقات الشرطة الفيدرالية، إلا أنه اعتمد "الكفاح اللاعنفي"، الذي لم يكن يرضي الشبان السود المتلهفين لإحداث تغيير، بل حتى في بعض الأحيان الوصول إلى المواجهة.
قصه الاسم "مارتن لوثر"
لم يحمل مارتن لوثر كينغ هذا الاسم طوال حياته، إذ كان يحمل اسم "مايكل" لأول خمسة أعوام من عمره، ولكن والده غيره تيمنا باسم "المصلح البروتستانتي" مارتن لوثر لاحقا.
فما هي قصة تغيير اسمه من "مايكل" إلى "مارتن"؟ وقصة القس البروتستانتي مارتن لوثر؟
وتعود قصة تغيير اسم مايكل إلى مارتن لوثر للعام 1934، إذ انطلق والده القس مايكل كينغ الأب، في رحلة دينية حول العالم، زار فيها روما وتونس ومصر والقدس وبيت لحم، ولتنتهي رحلته في اجتماع ديني في برلين، بحسب الموقع الإلكتروني لمؤسسة سميثسونيان.
وخلال رحلته الدينية تأثر القس مايكل كينغ بشخصية القس الألماني، مارتن لوثر، التي تحدت أطروحاته الدينية الـ 95 الكنيسية الكاثوليكية، ما ساهم بالنهاية في انقسام "المسيحية الغربية".
وبعد عودة الأب القس إلى الولايات المتحدة عام 1934، غير اسمه ليصبح مارتن لوثر كينغ الأب، وغير اسم ابنه ليصبح مارتن لوثر كينغ الابن، ولكن لم يتم تغيير الأسم على الأوراق الرسمية سوى في يوليو من عام 1957.
القس الألماني مارتن لوثر
تقول موسوعة "بريتانيكا" إن القس مارتن لوثر "زعيم ديني ألماني"، ولد في نوفمبر 1483 وتوفي في فبراير من عام 1546، وكان له مساهمات كبيرة في علم اللاهوت كانت حافزا للإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر.
وتوضح أنه يعتبر من "أكثر الشخصيات تأثيرا في تاريخ المسيحية"، خاصة وأن "كلماته وأفعاله" عجلت في "إعادة صياغة المبادىء الأساسية للمسيحية"، وأسفرت عن تقسيم "المسيحية الغربية" بين "الكاثوليكية الرومانية" و"التقاليد البروتستانتية"، وليظهر بعدها ما يعرف بـ"اللوثرية" و"الكالفينية" و"الأنجليكانية".
وبدأ لوثر تعليميه في مدرسة لاتينية في عام 1488، حيث تعلم اللغة اللاتينية وحفظ الوصايا العشر، والصلاة الربانية، وقانون إيمان الرسل، وفي 1497 أرسل إلى ليصبح راهبا، وفي 1501 التحق بجامعة إرفورت، والتي كانت من أكثر الجامعات تميزا في ألمانيا، وحصل بعدها على شهادة الماجستير في الفنون الحرة، وكان دائما يتحدث عن "أرسطو" و"ويليام أو أوكهام" على اعتبار أنهما معلميه.
وسعى لوثر لإكمال دراسته العليا، في أحد تخصصات الطب أو القانون أو اللاهوت، ولكنه فضل أن يتخلى عند ذلك ليصبح راهبا، حيث عاش في دير إرفورت للقديس أوغستين، إذ تم قبوله كمبتدئ في عام 1505.
وفي عام 1507، بدأ بدراسة علم اللاهوت في جماعة إرفورت، وانتقلها بعدها بعام إلى جامعة في فيتنبرغ.
الرسالة
كانت بدايات القس لوثر مع الإصلاح، في عام 1517، عندما كتب رسالة إلى الأسقف حينها احتجاجا على بيع "صكوك الغفران"، لتصبح رسالته تحديا لسلطات الكنيسة، إذ ضمت رسالته "95 أطروحة".
وركزت الأطروحات على أن "الإيمان وحده كاف لنيل المغفرة"، متسائلا "لماذا يريد البابا بناء كنيسة القديس بطرس من مال الفقراء بدلا من ماله أو مال الفاتيكان الخاص؟"، معتبرا أن "صكوك الغفران" حينها ما هي إلا "ضمانات كاذبة" للعمل الصالح.
وبعد ذلك انتشرت أطروحات القس لوثر ليتم تداولها على نطاق واسع في فرنسا وإنكلترا وإيطاليا، فيما بدأت بعض الدول تشهد تجمعات لسماع طروحاته، واشتهرت له بعدها عدة مؤلفات.
وبسبب رسائل وطروحات القس لوثر، دخل في نزاع مع البابوية، فيما دعا البابا ليون العاشر علماء مختصين باللاهوت لمحاججة "هرقطات لوثر"، فيما قام الراهب سلفستر مازوليني برفع قضية عليه أمام "محاكم العقيدة"، وفي عام 1521 أصدر البابا مرسوما بطرده من الكنيسة ما لم يتراجع مارتن عن آرائه.
أوجه الشبه بين الشخصيتين
وعن أوجه الشبه القس الألماني، مارتن لوثر، والقس الأميركي، مارتن لوثر كينغ الابن يقول أستاذ الدراسات الدولية في جامعة جونز هوبكنز، إدوارد جوزيف لموقع "الحرة" إن "القس الألماني مارتن لوثر تصدى لما اعتبره سلطة فاسدة بالاحتجاج، ومن هنا جاء أيضا مصطلح (بروتستانت)".
وأضاف أن والد مارتن لوثر كينغ "شعر بالإلهام من استعداد القس الألماني مارتن لوثر لوضع قناعاته موضع التنفيذ"، ولهذا أعاد تسمية نفسه بمارتن لوثر كينغ الأب، وأطلق اسم مارتن لوثر كينغ جونيور على ابنه.
ومثلما عانى مارتن لوثر مع مشاكل مع السلطة، عانى مارتن لوثر كينغ جونيور مع السلطة في الولايات المتحدة، إذ تم "اعتقاله 29 مرة" لأسباب مختلفة تراوحت بين العصيان المدني وحتى المخالفات المرورية.
ورغم أنهما ولدا بفارق 450 عاما عن بعضهما البعض، إلا أن كلاهما استطاع "تغيير العالم الذي عاشا فيها"، كما نشأ كلاهما على "التزام عميق بالمسيحية"، بحسب موقع "بي بي أس".
وكان مارتن لوثر كينغ قسا في أحد فروع الكنيسة التابعة للبروتستانتية، وكلاهما درسا علم اللاهوت في دراستهما العليا.
كما يتشارك مارتن ومارتن بأن كلاهما "وضعا أفكارهم ومعتقداتهم على الورق"، وكانت قضيتهم الأساسية قائمة على الإصلاح، فالأول أراد محاربة صكوك الغفران، الثاني أراد محاربة نظام تميزي يقمع إعطاء الحقوق لأصحاب البشرة السمراء.
واستطاع كلاهما "ترك العالم مكانا أفضل" بعدما شاركوا بأفكارهم ومعتقداتهم.