عبدة الشيطان – أ. د. عبدالله بن محمد الطيار

عبدة الشيطان
أ. د. عبدالله بن محمد الطيار

يقول الله – تعالى -: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس: 60].

ويقول رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ)).

والشباب هم مستقبل الأمة وثروتها وكنزها الثمين؛ لذا فهم دائمًا مستهدفين من قبل أعداء الإسلام؛ بوسائل الإعلام تارة، وبالمخدرات والمشروبات المحرَّمة تارة أخرى، وبالأفكار الهدَّامة تارة ثالثة.

والمؤمن في هذه الحياة يجب عليه ألا يمرَّ عليه وقت من أوقاته خاليًا من العمل النافع المفيد، وليكن في عمله متجهًا إلى الله، شاكرًا له، راغبًا فيما عنده، فإن هذا يحقق له الخير في الدنيا والآخرة، وفي هذا حثٌّ على الاستمرار في العمل، والإخلاص فيه.

روى الإمام أحمد عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: “إني لأمقت الرجل أراه فارغًا، ليس في شيء من عمل الدنيا أو الآخرة”.

قال الشاعر:
ظهرت في الآونة الأخيرة جماعة تدعو إلى عبادة الشيطان، وتورط عدد كبير من الشباب في اعتناق هذا الفكر الضال، والذي يدعو إلى الشر والإباحية، وتمجيد الشيطان وعبادته.

وهذه الجماعة تركز على الشباب، وتحثهم على احتساء الخمور، وتعاطي المخدرات، إلى جانب ممارستهم للجنس الجماعي في مناطق مهجورة، وكذا الطقوس الخاصة بهذا الفكر المنحل.

إن الله – سبحانه وتعالى – لما خَلَقَ آدم، أمر الملائكة بالسجود له، وأمر إبليس كذلك بالسجود لأبِ البشرية، وأخبرنا القرآن الكريم أن إبليس لم يسجد لآدم، فقد عصى الأمر الإلهي في السجود، ولم يتحقق هذا السجود لآدم، ولا لأحد من بنيه إلا مرة وحدة، كما يقول وهب بن منبه: “إن أول من سجد لفرعون بين يديه إبليس اللعين، وأول من سمَّاه إلهًا، ثم سجد هامان والوزراء والأعوان والكهنة، وذلك حين ادعى فرعون – عليه لعنة الله – الألوهية”.

أما من يعبد الإنسان الشيطان ويسجد له، فتلك هي الطامة الكبرى، والمصيبة العُظْمى التي لا جزاء لها إلا النار والخلود فيها.

عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال: “كان راهب يتعبد في صومعته، وامرأة زَيَّنت له نفسها، فوقع عليها فحملت، فجاءه الشيطان، فقال: اقتلها؛ فإنهم إن ظهروا عليك، افتضحت فقتلها فدفنها، فجاؤوه فأخذوه فذهبوا، فبينما هم يمشون، إذ جاءه الشيطان، فقال: أنا الذي زَيَّنتُ لك، فاسجد لي سجدة أنجيك، فسجد فتبرَّأ منه إبليس، فأنزل الله – عزَّ وجلَّ -: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [الحشر: 17 – 16]”؛
رواه الحاكم في “المستدرك”، (2/484 – 485)، وقال: صحيح: ووافقه الذهبي، والقرطبي في “جامع أحكام القرآن”، (18 – 38 – 42).

وهؤلاء الشباب ما وقعوا فيما وقعوا فيه، إلا بسبب غياب الوعي الديني والفراغ الكبير لديهم، والانحلالية والاختلاط، إلى جانب سلبية المجتمع في عدم قيام الآباء بالواجب الأمثل تجاه أبنائهم في التربية حسبما يتفق مع المنهج الصحيح الذي سار عليه الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – وأصحابه.

لهذه الأسباب وُجِد من الشباب مَن يتبع الشيطان بدلاً ممن أن يرجموه ويُوالونه بدلاً من أن يعادوه.

وقد حذَّرهم الله من ذلك في قوله – تعالى -: {وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} [النساء: 119].

وإن ظهور مثل هذا الفكر لينبِّهنا إلى أمر هام وجدُّ خطير، ألا وهو الأزمة الثقافية التي يعيشها كثير من أبنائنا وبناتنا ثروة الأمة الإسلامية.

فهل اهتممنا بالجانب الثقافي لدى الشباب وعملنا على ارتقائه وتطويره؛ لأنه بالعلم وحده وليس بغيره تتقدم الأمم؛ فهو الدليل المنير في الظلماء، والأصل العاصم من الأهواء، والأنيس في الوحدة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، لا يمنحه الله إلا للسعداء، ولا يحرم منه إلا الأشقياء.

فإذا ما التف الشباب حول العلماء العاملين الربَّانيين المخلصين، ونهلوا من علمهم الصحيح، وشغلوا أوقات فراغهم بعمل مُفيد، يكون الهدف منه الارتقاء بوطنهم وأمتهم لتكون في مقدمة الأمم دائمًا – بإذن الله، لسعدوا وأسعدوا مجتمعاتهم، وحصدوا الخير والفلاح.

وصلِّ اللهم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

عبدة الشيطان فصيل الماسونية النورانية

عبدة الشيطان فصيل الماسونية النورانية
بليل عبدالكريم    

? قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ? [ص 82]، كان ذا إعلانَ العداوة من إبليس، وأقسم بالله جهْدَ يمينه ألاَّ يَسْلَم مِن كيده من بني آدم إلا قليل، وأن يأتيَهم مِن بيْن أيديهم، ومِن خلفهم، ومن تحت أرجلهم، ومن فوقهم تنزل رحمةُ الله، فأنَّى له المجيء؟!

فنزل آدم – عليه السلام – وهبط معه عدوٌّ لا يَكلُّ ولا يَمَلُّ من إغواء ذريته من بعده، جلب عليهم بخيله ورَجِله، وأكثرهم له منقادون، حتى قادها تمشي على خُطواته، إلى عبادة الشياطين وتولِّيه، وذا قديمٌ قِدمَ الشرك، وقدمَ الوثنية نفسها، فمذ حاد الإنسان عن التوحيد، اتَّبع خُطواتِ الشيطان إلى الشِّرْك، واتَّخذ لله أندادًا، ثم مرَّت فترة، حتى أعلن الإنسانُ الشيطانَ إلهًا.

وقد يظن ظان أنَّا نحكي روايات ألف ليلة وليلة، ويُحكى أنَّ…، لا والله، ففي زمننا، بل زمن مَن قبلَنا، بل من عصور ما قبل الميلاد لم تنقطعْ عبادة الشياطين، ولا نقصد بعبادته طاعتَه وتوليه، والوقوعَ في المعاصي فقط، بل أعظم من ذلك؛ اتخاذه إلهًا، وتوجيه العبادات له زُلْفَى، والقربى جهارًا، بل وجعله نِدًّا لله، لا في الألوهية وحسب، بل في الربوبية، والزعم بأنَّه مدبِّر الكون، بل كان منهم مَن يشهد أنَّ الشيطان إلهٌ لا شريك له!! نعم، يوجدون في التاريخ، بل هم الآن في عصرنا، بل تسرَّبوا إلى أمتنا بدعاوى الحرية المطلقة، وحرية الاعتقاد، ورأس الدعوة الشيطانيَّة في حاضرنا هي المنظَّمة الماسونية العالمية، التي اخترَقَها عَبَدةُ الشيطان من فرسان المعبد، ثم أعاد تنظيمَ نشاطها بشكل دقيق ومُحْكَم النورانيُّون حملة لواء الشيطان، وهم أعلى مرتبةٍ في الماسون، إلا أنهم لا يُجاهرون بعبادة الشيطان للعامَّة، ولا تجد ماسونيًّا -إن أعلن عن هُويته – يجاهر بعبادته للشيطان، غير أنَّ أتباعهم في المراتب الدنيا، أنشؤوا جماعاتٍ صارتْ تجاهر بعبادة الشيطان دون رَبْطها بالماسونيَّة؛ لأنَّ للالتحاق بالماسون شروطًا أخرى.

ولسبر غور هذه الدِّيانة، وبيان ماضيها وأصولها من الأهمية، قدرَ ما للدعوة إلى التوحيد من أهمية؛ لأنَّ دعواهم من معاول هدْم التوحيد، ولا يُستهان بأنَّها دعوةٌ شاذَّة، فقد كان لها صدًى في الماضي، وهدَّدتْ كيانَ الدولة الإسلامية، لا يعي فداحةَ أمرهم إلاَّ مَن أحاط بهم خُبرًا.

ولا يزعمنَّ قائل أنهم شرذمة قليلون، كلاَّ، فكم من قلَّة صارتْ كثرة، خاصة وأنَّها آفةٌ تصطاد شبابًا أغرارًا، أحداثَ أسنان، سفهاءَ أحلام، لكنَّهم من الطبقة الثريَّة المُتْرَفة النافذة، ولهم مؤهلات عِلميَّة، فلا يَمرُنَّ زمن، حتى يطلع علينا منهم رأس في الدولة، وحينها سنرى الحقيقة المرة، والمثل حي يرى للناظرين، فلِعَبدة الشياطين في الولايات المتحدة الأمريكيَّة كنائسهم وجمعياتهم، وجماعات ضَغْط على النظام السياسي.

وهذه الدعوة هي موضةُ التسعينيات للمراهقين، ولكنَّهم الآن في العالَم مجتمع له رسالته، فلهم كُتبُهم، ومجلاَّتهم، وفلسفتهم، وموسيقاهم، وطقوس عبادتهم، وألبستهم، ونظامهم، وجمعياتهم ونواديهم، ومحلاَّتهم، وأتباعهم في تزايد، ومنهم أولو الأمر والنهي في الدول الكبرى، وشعاراتهم أصبحت (ماركات) عالمية، ومعابدُهم كالفطريات تستشري في دول عِدَّة!!

وكيما نعيَ فِكرَهم، نستدعي شيئًا من ماضيهم؛ كيما نقارعَهم ونحن على عِلم بمخططاتهم وغاياتهم.

فلهذه الدِّيانة جذورٌ في معظم الحضارات القديمة، بالأخصِّ الوثنية منها، فقد كان عَبَدَة الأوثان يستمتع بهم الجانّ، ويوحي لبني الإنسان، بمطالبِه من القُرْبى والطقوس الوثنية الشِّركيَّة، ومَن مارسوا السِّحر، إنما بُغيتهم التحكُّم في الجان، وخِدمة الشيطان.

تاريخ النِّحْلة الشيطانية

– الحضارة الفرعونية المصرية

تكمن التعاليم السحرية، وعبادة الشيطان فيما يُعرَف بـتقاليد القبالاه المصرية القديمة، التي توارثتها الأجيال المتعاقبة كتعاليم شفوية، وفي الحضارة الفِرْعونيَّة، كان الفراعنة على رأس السُّلطة، يليهم الملأ الجيش يمثِّل القوَّة المادية لفرعون، والسحرة، أو الكهنة كانوا يمثِّلون الدِّينَ والفِكر، والفلسفة التي يعتمد عليها الفرعون.

والكَهَنة كانوا عِمادَ الحضارة الفِكريَّة والعقدية، وتكوَّنتْ خلالَ هذه الحضارة الطوطمية[1] قاعدةٌ هائلة من الثقافة السِّحرية السوداء، والعقائد الوثنيَّة، والأساطير الخُرافية[2].

وفي خِضمِّ تلك الحضارة كان يقبع تحتَ سلطانها بنو إسرائيل، يسومهم آلُ فرعون سوءَ العذاب، ولأنَّهم ضمنَ النسيج الاجتماعي الحضاري، كان من نِتاج الاحتكاك الثقافي تلقِّي ثقافة الغالب، وامتزاجها مع ما لديهم، وضمها ضِمنَ تراثهم العقدي والفكري، على أنَّها مِن نتاجهم تدريجيًّا؛ لإقامتهم عِدَّة قرون في مصر، فتشكَّلت عندهم كتعاليم كهنوتية فلسفيَّة سحرية، عُرفت في التاريخ اليهودي فيما بعد بـثقافة القبالاه اليهودية، المستوحاة من القابالاه المصرية القديمة، وهذه التعاليم بمثابة فلسفة منهجيَّة للتفكير والتحليل، مَرَّتْ بتطورات عِدَّة، حتى طبَّقوها على شرْح التوراة، فكسبت رداءً دينيًّا، معه وشاح الشرعيَّة التلمودية.

– أساطير إله الشرِّ الفرعونية وهي مبنية على أسطورة إيزيس[3]، وأوزوريس الفرعونية، التي كُتبت حوالي عام 4000 ق م[4].

تقول الأسطورة إنَّ أوزوريس هو ابن إله الأرض الذي ينحدِر من سلالة إله الشمس رع، الإله الخفي، أصبح أوزوريس مَلِكًا على مصر، وعلَّمَ شعبَها كيف يزرع، وكيف يصنع الخبز والنبيذ، وتزوَّج أوزوريس من أخته إيزيس، وتعاونَا معًا لنشْر الحضارة في البلاد، وكان أوزوريس محبوبًا لدى شعبه، وأثَار هذا الحبُّ حِقدَ أخيه ست، الذي أخذ يُفكِّر في التخلص من أخيه والاستيلاء على عَرْشه، واستطاع سِت التخلصَ من أوزوريس، وبعدَ طول عناء استطاعتْ إيزيس – الزوجة الوفية – بمعونة بعض الآلهة وبسِحرها إعادةَ أوزوريس إلى الحياة الأبدية، وأصبح أوزوريس إلهًا بعد بعثه، وعاد إلى الأرض، حيث قام بتعليم ابنه حورس، ومساندته ضدَّ عمه ست، واستطاع حورس في النهاية التغلُّبَ على عمِّه، واستعادة عرش أبيه.

أصبح أوزوريس رمزًا لإله الخير، بينما أصبح ست، أو سيتان SATAN رمزًا لإله الشرِّ أو الشيطان، وانتشرتْ عبادة كلاَ الإلهين في الحضارة المصريَّة القديمة.

عبادة الشيطان في التراث البابلي

في الألفية الخامسة ق.م كانتِ الإمبراطورية السومرية في بلاد الرافدين، ولها مُدن رئيسة، كأور عاصمة بابل، والتي عُرِفت بعلوم السِّحْر والفَلَك والتنجيم، وفي ذلك الزمن كان هاروت وماروت[5] بمدينة بابل؛ لتعليم الناس السِّحر ابتلاءً من الله – عزَّ وجلَّ – للتمييز بيْن السحر والمعجزة، حتى يَميز الناس الخبيث من الطيِّب، ويعي المؤمنون الفُرقان بيْن معجزة الأنبياء، وسِحر الكهَّان.

وفي القرن العشرين ق.م – عَهْد الكلدانيِّين – استشرى السِّحْرُ في أهل بابل، حتى ضرب المثل في إتقان السحر بحُكماء وكهنة وسحرة بابل، الذين كانوا قومًا يعبدون آلهةَ الكواكب السبعة، ويعتقدون أنَّ حوادث العالَم كلَّها من أفعالها، وعملوا أوثانًا على أسمائها، وجعلوا لكلِّ واحد منها هيكلاً فيه صنمه، يتقرَّبون إليه بضروب من الطاعات والطقوس، من الرُّقَى والعُقَد والنفث، ولكلِّ كوكب اختصاص، فمَن رام شرًّا أو حربًا، أو موتًا أو بوارًا لغيره، تقرَّب لزحل، ومَن أراد البرق والحرق والطاعون، تقرَّب إلى المريخ بما يوافقه من ذَبْح بعض الحيوانات [6].

وقد اتَّخذت تلك الأساطير، وما خالطها من الشعوذات والطلاسم، والممارسات السحرية – عِدَّةَ امتدادات دينيَّة وعِرقيَّة خلال مساراتها التاريخيَّة، في الحضارة الفرعونيَّة والفينيقيَّة والتدمُريَّة.

عبادة الشيطان عند الفرس

استولى الفُرْسُ على بابل فيما بعدُ، ومِن أقدم ما ذُكِر في تاريخ هذه النِّحلة الشيطانية ما كان في بابل وأشور، حيث تذكر الأساطير البابلية والآشورية أنَّ هناك آلهةً للخير، وآلهة للشَّر، وأنَّهما كانَا في صِراع دائم، والجذور المعروفة لهذه الدِّيانة ترجع إلى أرْض فارس، حيث بدأتْ عبادة شياطين اللَّيْل المفزِعة، فقد كان ثَمَّة قبائل بدوية رحَّالة، تروح وتجيء بيْن شمال فارس، تبحث عن الماء والكَلأ، وعانَتْ من الأعاصير والجَفَافِ حالَ تنقُّلها ذهابًا وإيابًا، وليقينهم أنَّ الله – تعالى – لا يأتي الشرُّ منه، والشرُّ كلُّه من الشيطان؛ توهَّموا أنَّ العقاب لا يصدر إلاَّ من الشيطان، فأمِنوا مكرَ الله، ثم تسارعوا للتقرُّب من الشيطان كيما يكفَّ عنهم شرَّه، ثم تطورتْ بعد أجيال لتعبِّرَ عن مطلق الشر، ثم تطوَّرت – مرةً أخرى – لتعبر عن الشرِّ بالظلمة، والخير بالنور، من خلال العقائد الثنوية التي كانتْ تؤمن بإلهين الأول إله النور الفاعل لكلِّ ما هو خير، والثاني إله الظُّلْمة الفاعل لكلِّ ما هو شر، وهو الشيطان، ويقتسم – في زعْمهم – الإلهان السيطرةَ على الكون، واختلاف تفسير العَلاقة بين الإلهين وتأثيرهما في الكون، نشأ منه الفرق والطوائف، التي تتميَّز كلُّ واحدة بمفهوم لهذه العلاقة، حتى نشأتْ فِرقٌ تُعظِّم الشيطان أكثرَ، واتخذته الإلهَ في المقام الأول، وسعتْ للتقرب له بطقوس وثنية؛ رهبةً منه، ثم وجدت طوائف من الثنوية، تفرض لإله الشرِّ في بعض الأزمنة سلطانًا أكبرَ من سلطان إله الخير على الأرض، فترى أنَّ النور والخير منفردان بالسموات، وأنَّ الظلمة والشر غالبان على الأرَضِين.

وتقوم سلسلة الديانات الفارسيَّة الثنوية على معتقد أنَّ العالَم مركَّب من أصلين اثنين قديمين أحدهما النور، والآخر الظلمة، ومِن الديانات الثنوية الزرادشتية والمزدكية، والديصانية والمانوية، والشامانية، وكذلك المجوسية عَبَدة النار بصفتها معدنَ الشيطان وأصله.

والشامانية والمانوية، تُؤمنان بقوَّة إله الشر والظلمة الشيطان وتَعْبُدانِه، وما زال لهما بعض الأتباع في أواسط آسيا يُقدِّمون له الأضاحي والقرابين، وكذلك في أوربا.

وهؤلاء هم عَبَدةٌ للشيطان وحْدَه؛ لقوَّته على الكون وتغلُّبه، وهؤلاء يتقرَّبون منه رغبةً.

عبادة الشيطان في التراث النصراني

حينما انتشرتْ فكرةُ عبادة الشيطان في التراث اليهودي من خلال ثقافة القبالاه، عبرتْ إلى النصرانيَّة من خلال بعض الأفكار الغنوصيَّة، التي صاحَبتِ انتشارَ النصرانية في أوربا، والتي ترى في العالَم الجحيم المطلق، وهو عالَم الشر، ولا يمكن أن يخلقَه إلهُ الخير، وكل قصص الخلق مغلوطة، بل النصرانية نفسها لا تنفي غلبةَ الشيطان على العالَم الأرضي، وبها تعظيم لقدرات الشيطان، بالإضافة إلى انتشار المظالِم الاجتماعيَّة زمنَ انتشار النصرانية، وتفسيرها بأنَّها من ثوابت القَدَر؛ ممَّا دَعَا البعض إلى الكفر بالإله السماوي، والإقبال على عبادة الشيطان المتمرِّد، فتكرَّست فكرة عبادة الشياطين؛ اتقاءً لشرها (رهبة)، ومفهوم هذه العبادة يرتكز على وجود عالَمين عالَم الملكوت، ويسيطر فيه إله الخير، وعالم الكهنوت، ويسيطر فيه إله الشر، وهو الشيطان.

وأوربا الشرقيَّة قومُها مؤمنون بالسِّحْرِ والشياطين حالَ اعتناقهم للنصرانية، فآمنوا بها مع إثبات تغلُّب الشياطين، وحُكمهم العالَم السفلي، ومدافعتهم لإرادة الرَّبّ، كما ظلَّتْ نِحْلة البيوجوميل (النِّحْلة الشيطانية) غالبةً على عشائر البلغار والبلقان لعِدَّة قرون.

– وفي القرون الظلامية الأوربية الوُسْطى، ظهرتْ جماعة فرسان الهيكل فرسان المعبد الصليبية في أوروبا، اتَّخذتْ من الشيطان إلهًا ومعبودًا، وكان لها اجتماعاتٌ ليلية مُغْلَقة تبتهل فيها للشيطان، وتزعم أنه يزورها بصورةِ امرأة، وتقوم هذه الجماعةُ بسبِّ المسيح وأمِّه وحوارييه، وتدعو أتباعَها إلى تدنيس كلِّ ما هو مقدَّس، وتعتبر جماعة فرسان الهيكل  طورًا من أطوار الماسونيَّة العالميَّة، وكانوا يتميَّزون بلبس قميص أسود يسمونه الكميسية.

انتشرتْ هذه الجماعةُ في فرنسا وإنجلترا والنمسا، ثم اكتشفتْها الكنيسة، وقامتْ بحَرْق مجموعة من أتباعها، وقتلتْ زعيمها، وقد قالتْ إحدى أعضاء هذه المجموعة قَبْل حرقها إنَّ الله مَلِك السماء، والشيطان مَلِكُ الأرض، وهما نِدَّان متساويان، ويتساجلان النصرَ والهزيمة، ويتفرَّد الشيطان بالنصر في العصر الحاضر.

وفي القرن الرابع عشر انتشَرَ الطاعون في أوروبا، وقتل ثلث سكَّانها، فارتدَّ عدد كبير عن النصرانية، وعبدوا الشيطانَ بدعوى أنَّه اغتصب مملكةَ السماء، ثم ظهرتْ عِدَّة جماعات بين عامي 1432- 1440م، مثل جمعية الصليب الوردي، وفي القرن السابع عشر ظهرتْ جمعية تُسمَّى ياكين، ثم الشعلة البافارية، والشعلة الفرنسية، وإخوة آسيا.

في 1770 بدأتْ بذور فكرة إقامة مجمع شيطاني على يدِ مجموعة من عَبَدة الشيطان من اليهود، وكانوا مِن كبار المرابين والحاخامات، والمديرين والحُكماء، فأسَّسوا مجمعًا سِريًّا يعمل على تحقيق أغراضهم، وأسموه المجمع النوراني (The Illuminati الإليوميناتي). وكلمة نوراني بمعنى لوسيفر Lucifer حامل الضوء، أو الكائن الفائق الضياء، ثم أسَّس الألماني آدم وايز هاوبت مذهبًا مشابهًا باسم حملة النور الشيطاني النورانيِّين ضمن المجمع النوراني، وفي عام 1776م[7]، نظَّم وايز هاوبت جماعةَ النورانيِّين لوضع مؤامرة انتشار دعوتهم، وسيطرتهم على مواضع التنفيذ.

في عام 1784 اكتشفتِ الحكومة البافارية وجودَ مخطَّط شيطاني لتدمير جميعِ الحكومات الملكيَّة، والأديان الموجودة.

اندماج النورانية والماسونية

بعد فضيحتهم، انتقل نشاط النورانيِّين إلى العمل خلفَ مسمَّى العالمية، ونقل مركز القيادة وكهنة النظام الشيطاني إلى سويسرا، فلَبِثوا هناك حتى نهاية الحرْب العالمية الثانية، حيث انتقلوا إلى نيويورك[8].

ولكي يحافظ وايز هاوبت على برنامجه؛ رأى أن يمتزجَ مع الماسونيِّين، الذين يجدون مطلق الترحيب في الأوساط البروتستانتية؛ وذلك لكون المذهب البروتستانتي صِهْيونيَّ النزعة، يهودي الجذور، فبالتالي هو لا يتعارض كثيرًا مع التطلعات الماسونية اليهودية، وهذا التحوُّل سيجعل النورانيِّين ينشطون في البلدان البروتستانتية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، ثم استراليا وشمال أوربا.

ومن مبادئهم أنَّ الأرواح لا تنجو إلا إذا انحدرتْ إلى الدَّرْك الأسفل من الخطيئة، والشيطان هو الإله، وأنه مساوٍ تمامًا لأدوناي – وهو اسم يُطلقونه على (الله تعالى) – وتنصُّ العقيدة الشيطانية على أنَّ الشيطان قاد الثورةَ في السماء، وأنَّ إبليس هو الابن الأكبر لأدوناي، وهو شقيق ميخائيل الذي هَزَم المؤامرة الشيطانية في السماء، وأنَّ ميخائيل نزل إلى الأرض بشخصِ يسوع؛ لكي يكرِّر على الأرض ما فعله في السماء، لكنَّه فَشِل.

والنورانيون هم أكبر داعم لنشْر هذه الديانة في عصرنا؛ لذا كوَّنوا جمعياتٍ تابعةً للماسونية بشعارات مختلفة؛ كيما تموه على العامَّة والسلطات في دول عِدَّة، كلها تدعو لحرية الأديان، غير أنَّ المراد من تلك الدعاوي نشْرُ التحرُّر من ربقة الأديان، واتِّباع الشيطان.

– جمعية الجمجمة

مؤسِّس الجمعية  وليام هـ. راسل William H. Russell طالب في (جامعة ييل)، من أسرة ثَرِيةٍ امتلكتْ إمبراطورية تجارة الأفيون في أمريكا، ابتعثَه النورانيُّون سنة 1833 إلى ألمانيا بمِنحة دراسية لمدَّة سَنَة، فتصادق هناك مع رئيس جمعية سِريَّة ماسونية، كان الموت شعارًا لها، وحين عاد إلى أمريكا، أسَّس جمعية إخوة الموت، وبشكل غير رسمي كانت جمعية الجمجمة والعظام شعار الجمعية، عبارة عن عَظْمَتي ساقٍ تعلوهما جُمجمة، وفي الأسفل يوجد الرقم 322، تعبيرًا عن سَنَة تأسيس الجمعية عام 322 ق. م زمن الإغريق؛ ليُعادَ إحياء الجمعية على يد الماسون عام 1832م في ألمانيا، وعام 1882م في أمريكا؛ ليكون الهدف منها إحكامَ السيطرة على العالَم، حيث يُشاع بأنها القَلْب المعتم لحكومة العالم السِّريَّة[9].

– كنيسة الشيطان

بالرغم من أنَّ معظم الباحثين يذهبون إلى أنَّ آنطوان ليفي هو مؤسِّس فكر عبادة الشيطان في العصر الحديث، إلاَّ أنَّ البعض ينسب هذا الفكرَ الحديث إلى موسيقا الرُّوك، والمغني الأمريكي ليتل ريشارد، الذي أدخل سنة 1952م إلى الرقص أنغامًا وحركات تعود إلى العُنف، وبعدَه في عام 1955م، تزعَّم ألفيس بريسلي الحركة الموسيقيَّة، وراح يخاطب غرائزَ الشباب، ويُشجِّعهم على رفْض القِيَم الدينيَّة والأخلاقية، وعلى الحياة نفسها[10].

تَمَّ الاعتراف بشكل رسمي وعلني في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1966م، بأوَّل كنيسة لعبادة الشيطان في سان فرانسيسكو، تحتَ حماية قانون كاليفورنيا لحريَّة الأديان، الذي صدر في العام نفسه.

وحسب تقارير مكتب التحقيقات الفِيدرالي في الولايات المتحدة، فإنَّه يدخل في كل عام في هذه الديانة 50 ألف شخص، كما أكَّد أنَّ هذه الطائفة وراءَ الكثير من جرائم القتْل وخطف الأطفال، وخاصَّة في ولايتي سان فرانسيسكو، ولوس أنجلوس، حيث كانتِ الشرطة تجد بقايا دماء أطفال، وحيوانات مذبوحة بجوارها الشموع والأقنعة السوداء والجماجم[11].

والمجتمع الأمريكي يضمُّ أكثر من 20 طائفة تُقدِّس الشيطان.

بعض الحقائق بالأرقام في أمريكا وغيرها

? 17 مليون مواطن أمريكي هم مجموعُ أتباع الطوائف التي تقدِّس الشيطان، 105 ملايين مواطن أمريكي بين ملاحِدة وعلمانيِّين، 70 مليون مواطن أمريكي لا يؤمنون بالبَعْث.

? 47 % من سكَّان أوروبا يعانون هلاوسَ بصريَّة وسمعيَّة (إما بشكل مرَضي، أو نتيجة لتعاطي الكحوليات والمخدِّرات، والأدوية العصبية).

? 1282 مكانًا رسميًّا على مستوى العالَم، تُمارَس فيه عبادات تقوم على تقديس الشيطان والأنفس السفلى.

? الدستور الأمريكي يُعْطي حريةَ اختراع كلِّ فرد لدِين خاص به[12].

?  ومؤخرًا بدأتْ هذه الممارسات تزدهر علنًا في دول أوروبية كثيرة، ففي إنجلترا – مثلاً – هناك تسعة ملايين شخص ينتمون إلى كنائس الشيطان – ومثلهم تقريبًا في ألمانيا وإيطاليا، وفي فرنسا هناك مجلَّة وبرنامج خاص لعَبَدة الشيطان، تُقدِّمه عرافة تُدْعى مدام سولي، وفي سويسرا وإيطاليا والنمسا يُمارِس آلاف الأشخاص بانتظام ما يُسمَّى بالقُدَّاس الأسود عند اكتمال البدر.

? وأشار تقرير صدر في شهر مارس آذار سنة 2005 عن البَعْثة الوزارية لمراقبة ومكافحة التجاوزات الطائفيَّة، وتَمَّ تسليمه إلى رئيس الوزراء أنَّ ظاهرة عبادة الشيطان تكتسب أرضًا جديدةً في فرنسا؛ مما يؤدِّي إلى زيادة عمليات تدنيس المقابِر، وطقوس معادية للمسيحيَّة.

? كما تشهد الظاهرة تزايدًا أيضًا في الدول الإسكندنافية وروسيا، وإيطاليا وإسبانيا، وألمانيا واليونان، وجنوب أفريقيا، واعترفتْ بعض الدول بها[13].

عبدة الشيطان في تاريخ المسلمين

اليزيدية (عبدة الشيطان)

نشأتْ هذه الطائفة في أوَّل أمْرِها في منطقة الشيخان، ومنها انتشرتْ في باقي المناطق.

ففي مواطن اليزيدية كان قبيل ترهايا، وهم مِنَ المجوس الذين نزحوا إلى جبال حلوان لَمَّا فَتَح المسلمون بلادَ الفُرْس، وقد دخلوا الإسلام، غير أنَّ عُزْلتَهم عن الناس جعلتْ معتقداتِهم خليطًا بين الوثنيات المجوسيَّة، وتقاليد القوم، مع دراية سطحية بالدِّين الإسلامي، ثم انتشرتْ فيهم الطرق الصوفية[14]، حتى غلبتْ عليهم الطريقة العدوية؛ نسبةً للشيخ عدي بن مسافر[15]، الذي بلغ عندَهم مقامًا لا يحوزه أحدٌ من البشر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية وفي زمن الشيخ حسن زادوا أشياء باطلة، نظمًا ونثرًا، وغلوا في الشيخ عدي، وفي يزيد، بأشياءَ مخالفة لِمَا كان عليه الشيخ عدي – قدَّس الله رُوحه – فإنَّ طريقته كانت سليمة، ولم يكن فيها من هذه البِدع[16].

واليزيدية في الأصْل كانت تُسمَّى بالطائفة العدوية، قال أبو سعيد عبدالكريم بن محمد السمعاني (توفي 562هـ1166م)؛ أي بعد خمس سنوات من وفاة الشيخ عدي، في الورقة 600 من كتابه الأنساب، الذي طبعَه المستشرق البريطاني ماركليوث عام 1912م وجماعة كثيرة لقيتهم بالعراق في جبال حلوان، ونواحيها من اليزيدية، وهم يتزهَّدون في القُرى التي في تلك الجبال، ويأكلون الحال[17]، وقلَّما يخالطون الناس، ويعتقدون الإمامةَ في يزيد بن معاوية، وكونه على الحق[18].

خَلَف الشيخَ الأعزب بعدَ وفاته ابنُ أخيه أبو البركات بن صخر بن مسافر، ثم خَلَف أبا البركات ابنُه عدي بن أبي البركات، الملقَّب بأبي المفاخر، والمشهور بالكردي، وكان صالحًا مثل أبيه، مُكْرِمًا لأهل الدِّين والعلم، وافرَ العقل، شديدَ التواضع، وكانتِ الطريقة في أيَّامه على غاية من الصفا في جوهرها[19].

ثم خلفهم الشيخ حسن بن عدي بن أبي البركات بن صخر بن مسافر، الملقَّب بتاج العارفين، شمس الدين أبو محمَّد شيخ الأكراد، ولد سنة 591، وتوفي 644، وفي زمانه بدأ الانحراف عن نهْج الطريقة العدوية الأولى، وزاد الغلوّ في الشيخ عدي بن مسافر الأموي، وفي خلفائه، كما كَثُر الضلال في تعاليمه.

رأى الشيخ حسن تكاثرَ المريدين من حوله، فألْقَى هالة من القداسة حولَ نفسه، بأنِ اعتزلهم لسِتِّ سنوات، ثم طلع عليهم بكتاب الجلوة لأهل الخلوة، به خليطٌ من الوثنيات القديمة، والمجوسية والزرادشتية، واليهودية والنصرانية والإسلام، وسَوَّر عقائده بسِياج من السِّريَّة، ومنَعَهم من القراءة والكتابة؛ كيما ينقادوا له طواعيةً، ثم حادت الطريقة العدوية إلى اليزيدية الحالية شيئًا فشيئًا، ومِن الذين أثَّروا على الشيخ حسن وغيَّروا أفكاره وعقيدته محي الدين ابن عربي (550 – 638هـ) أثناء تردُّد الشيخ حسن إلى الموصل، حيث كان يُقِيم ابن عربي.

وبالرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقةٍ لليزيديِّين لأسباب عِدَّة، فإنَّ التخمينات تجعل أعدادَهم كما يلي في العراق 40 ألف نسمة، في سوريا 25 ألفًا، في تركيا 50 ألفًا، في أرمينيا 55 ألفًا، في جورجيا 45 – 50 ألفًا، وبذلك فإنَّ عددهم في العالَم يتجاوز 200 ألف يزيدي[20].

عقيدتهم

يؤمنون بوجود إله أكبرَ خالقٍ لهذا الكون، إلاَّ أنَّه لا يُعْنى بشؤونه، بعدَ أن فوَّضها لمساعدِه، ومنفذ مشيئته ملَك طاوس، والذي يرتفع في ذِهْن اليزيدية إلى مرتبة الألوهية، حتى إنَّهم يسبحون به، ويتضرَّعون له، وهو الملاك الأعظم الذي عَصَى الله في بَدْء الخليقة، فعاقبه الله على خطيئته، فظلَّ يبكي سبعة آلاف سَنَة، حتى ملأ سبعَ جرار من دموعه، وألقاها في جهنم، فأطفأ نارها، فأعاده الله إلى مركزه الرفيع في إدارة الكَوْن.

ولَعْن الملاك طاوس، وتسميته بالشيطان، واعتقاد أنَّه خالق الشر، مخالِف لمعتقدات اليزيدية، بل يجب تسبيحُه، إن لم يكن حبًّا فيه، فدفعًا لغضبه.

أما نبي هذه الدِّيانة فهو الشيخ عادي، الذي يَرْوُون عنه أخبارًا ورواياتٍ عديدة، ويرفعونه لدرجة التقديس، والعلاقة بين شخصية الشيخ عادي والشيخ عدي بن مسافر غامضةٌ جدًّا.

ويعتقدون في وجود آلهة موكل إلى كل منها شأن من شؤون الدنيا، ومِن ذلك بري أفات، وهو إله الفيضانات والطوفان، وخاتونا فخران وهي إلهة الولادة عندَ النساء…إلخ، ويعتقدون بوجود أنصاف آلهة مثل مم شفان، وهو إله الغنم، والعبد الأسود إله الآبار، وميكائيل إله الشمس… إلخ.

وفيما يتعلَّق بالشيطان الذي ارتبطتْ به الديانة اليزيدية

فإنهم يُقدِّسونه ويحترمونه، ويَحْلِفون به، ويعتبرونه رمزًا للتوحيد بزعمهم؛ لرفضه السجودَ لآدم – عليه السلام – ويُسمُّون الشيطان طاوس ملك؛ أي طاوس الملائكة.

ولليزيدية سبعة طواويس، لكلٍّ منها اسمُه الخاص، وقد صنعوا لكلِّ طاوس تمثالاً خاصًّا، وسبب ذلك هو عدم كفاية طاوس واحد لجميع اليزيدية؛ لأنَّهم منتشرون في أقاليمَ متباعدةٍ جدًّا.

ويعتقدون أنَّ أصل الملائكة مِن نور الله سبحانه، وأنهم قد شاركوا الله في خَلْق الكون.

وأما الكتب المقدسة لديهم، فهناك مصحف رش، وينسبونه إلى الشيخ عدي بن مسافر، ويتحدَّث عن بداية خَلْق الكون، ومراحل تكوينه، وخَلْق آدم، وامتناع عزازيل (الشيطان) عن السجود لآدم، كما أنَّه يحتوي على بعض الأوامر والنواهي، وذِكْر بعض المحرَّمات.

مظاهر عَبَدة الشيطان المعاصرة

انتشرتْ مظاهر وطقوس عَبَدة الشيطان في حاضرنا جهارًا نهارًا، ولم يعد للسِّريَّة داعٍ؛ إذ الحُكم لهم في مجتمعاتهم ولمبادئهم، فشعارات الحرية بلغتْ مداها، والماسون استنفذوا طاقتَهم في إقناع هذه المجتمعات الإباحيَّة بلزوم الحُريَّة لكل شيء، إي نَعَم، لكلِّ شيء، حتى الاعتقاد بألوهية الشيطان! ومن ثَمَّ سنُّوا لها القوانينَ المشرِّعة لها، الحامية لأتباعها، وقالوا لكلٍّ شِرْعة هو مولِّيها، وشرعتنا هوانا إلهنا، لا شريك له، عليه توكَّلْنا، وإليه ننيب.

فلسفتهم

الإنسان هو صورةُ الكون المصغَّرة؛ صورة مصغَّرة طِبق الأصل للكون الأكبر الأزلي، ولازم أزليَّة الكَوْن، أزلية الإنسان؛ أي إنَّه غير قابل للفَناء، وظاهرة موته إنما هي انتقاله مِن حلقة لأخرى، إذ يتناسخ مِن درجةٍ لأختها، فهو أبديٌّ وقديم؛ أي لا مَبدأ لنشأتِه، ولا مُنْتهى لمستقبله، فالبشر جميعهم آلهة، وعلى الإنسان التخلُّص مِن خوفه مِن الموت، فليس بالنهاية، لكنَّه نقطة الانطلاق إلى حلقة جديدة.

وفكرة الخطيئة ليستْ إلا بدعًا من الكلام، اختلَقَها الضعفاء، ثم تحوَّلوا لعبيدٍ لها؛ كيما يسترضُوا شعورَهم بالضعف، وغاية العبادة والصلاة هي في الوصول إلى النور، وذاك ببلوغ حالة النَّشْوَة والكمال، أو الصفاء الذِّهني، وللترقِّي إلى هذه الحالة يستخدمون الموسيقا الصاخِبة، والخمورَ والمخدِّرات والعقاقير، وبالطبع الممارسات الجِنسيَّة – الزِّنا – والشاذَّة أيضًا.

وبلوغ حالة النشوة لهم فيه دهاء كبير، فتهييج المشاعِر، وتخدير العقول، ثم غَسْل المعتقدات، وغَرْس المتعفنات عن طريق السماع في حضور جماعي، يتطلَّب حنكةً من رؤوس القوم، ومِن سبل الدِّعاية لهذا الفِكر موسيقا Black Metal، وهي موسيقا صاخِبة تعتمد على الجِيتار الإليكتروني، ومِن أشهر الفِرق التي تتغنَّى بعظمة الشيطان، وتدعو إلى فكره، فرقة Dimmu Borgir، وفرقة slayer، وأشهر مُغنٍّ يدعو إلى هذا الفكر يُدْعى مارلين مانسون، الذي ألَّف كتاب الطريق الخارج من جهنم، ويخرج أغانيه بأسلوب فلسفي يُثير غرائزَ الشباب، ويدعوهم للإعجاب بهذا الفِكر.

كما ألَّف أتباعُ هذه الطائفة الكتبَ الكثيرة؛ للدعوة إلى باطلهم، ومنها صمت إبليس تأليف د. لورانس بازدر، وإبليس تحت الأرض، وجاء لتحرير الرهائن، والطقوس الشيطانية، والساحر الشيطاني، ومذكرة الشيطان[21].

يقول علماء النفس إنَّ موسيقا الروك تصنع نوعًا من الغياب الذهني، وعلى وجه التحديد موسيقا الميتال، والديث ميتال، فهي المفضَّلة في تجمُّعات العبادة والصلاة لديهم، إذ تصل نسبةُ الضوضاء في هذه الأنواع من الموسيقا إلى 120 ديسبل، مع تعاقب سريع جدًّا بيْن الإضاءة المبهرِة وسطَ ظلام حالك، يصل إلى ما يزيد عن 40 مرة في الثانية، وبهذه الضوضاء العالية جدًّا، والإضاءة المتسارِعة، مع المخدِّرات والخمور، يتمُّ شلُّ مقاومة العقل الإنساني الطبيعي، ويفقد الإنسانُ القدرةَ على التركيز، وبذا يصل إلى حالة النَّشْوة والكمال الذهني، التي تصل به إلى النور المزعوم، وما ذاك إلا حالة للشلل الفكري، ناتج عن تخدُّر الدِّماغ، وانهيار التركيز، مع تعاقُب الترميز، فتتوارد صُورٌ ذهنية في حالة لذَّة ذهاب العقل مع الطَّرَب، يحسبها الظمآن – روحيًّا – وحيًا.

وفي ذلك الحال يأتي دَورُ الحضور الجماعي، بإلقاء القادة الرسائلَ الإيحائية في هذا الجوِّ المخدِّر للعقول، تلك الرسائل تهيِّج مشاعرَ المتعبدين المجتمعين معًا بالمئات، بل بالآلاف، وتكون في شكل وصايا؛ كيما يتوهمَ القداسة فيها.

الوصايا التِّسْع لعَبَدة الشيطان

1- أطلِقِ العِنانَ لأهوائك، وانغمس في اللذَّة.

2- اتبع الشيطان، فهو لن يأمرَك إلاَّ بما يؤكِّد ذاتك، ويجعل وجودَك وجودًا حيويًّا.

3- الشيطان يمثِّل الحكمة والحيوية غير المشوهة، وغير الملوثة، فلا تخدعْ نفسك بأفكار زائفة، سرابية الهدف.

4- أفكار الشيطان محسوسةٌ ملموسة، ومشاهدة، ولها مذاق، وتفعل بالنفس والجِسم فِعلَ الترياق، والعمل بها فيه الشفاءُ لكلِّ أمراض النفس.

5- لا يَنبغي أن تتورَّط في الحُبِّ، فالحبُّ ضعْف، وتخاذل وتهافت.

6- الشيطان يمثِّل الشفقة لمن يستحقونها، بدلاً من مضيعة الحبِّ للآخرين، وجاحدي الجميل.

7- انتزعْ حقوقَك من الآخرين، ومَن يضربك على خدِّك، فاضربْه بجميع يديك على جسمه كلِّه.

8- لا تحبَّ جارَك، وإنما عامله كآحاد الناس العاديِّين.

9- لا تتزوَّج، ولا تُنجب، فتتخلَّص من أن تكون وسيلةً بيولوجية للحياة، وللاستمرار فيها، وتكون لنفْسك فقط[22].

وهذه الوصية الأخيرة هي للمانوية الثنوية الفارسية؛ دعاة هلاك البشر، واستعجال الفَناء.

الإشارات والرموز التي تُميِّز عَبَدة الشيطان

– الوَشْم على أشكال الشياطين، على جميع الجِسْم، ومنها النجمة السُّداسية، ورقم 666، وهو رقم الشيطان عندهم، ورسومات مفزِعة ترمز للعُنْف والرعب، كرسم الجمجمة والعظمتين، علامة خطر الموت، ورسْم الحيوانات الخياليَّة المفزعة، والشياطين، ورسوم جِنسيَّة، وكلمات بذيئة.

– قصَّات معينة للشَّعْر مع الوشْم على الرأس، أو وضْع شعارات الجماعة.

– فصوص وأقراط وسلاسل ذات أشكال معيَّنة يرتدونها على كامل الجِسْم، حتى الشفاه والرقبة، والأنف، وجمجمة الرأس، والأيدي، والبطن.

أساور وقلادات وخلاخيل ذات تصميمات معيَّنة تشير إلى أُمور خاصَّة بعبادتهم، بل حتى الأعضاء التناسليَّة لم تَسلَمْ من غرْز الأقراط، ولهم في ذاك معتقد خرْق المألوف، غير أنَّه من الحالات المازوشية، وهي عرض مرضي نفسي، يجعل صاحبَه يتلذَّذ بالألم.

– ومن رموزهم ثقب الآذان وتوسيعها، وثقب الأنوف، وإلْصاق المسامير والحلقات بمناطق مختلفة مِن الجِسم، بشكل مؤذٍ ومقزِّز، يُنبِئ عن انعدام الذَّوْق والحس، يرمزون بذلك إلى مخالفة كلِّ الأعراف البشرية، والتميُّز بأنهم يتحدَّوْن الألَم، ورفض كل ما له علاقة بالقِيَم، أو الأخلاق، أو الدين.

طقوس عبادتهم

– التأمل يكون فرديًّا أو جماعيًّا، في إضاءة خافتة، أو على ضوء الشموع مع البخور؛ وذلك لإضفاء نوْع من الخشوع على المتعبدين.

– القداس الأسود فيه يُستهزأ ويُتهكَّم على الله تعالى، وعلى المسيح وأمِّه وحوارييه، ويشتمونه فيما يُشبه الترانيم في العبادة الكنسيَّة، ويُكسَر الصليبُ ويُقلب، ويُحْرَق أكبر عدد من الكتب المقدَّسة عندهم، ويُقدِّمون الذبائح البشرية، ويتعاطون الخمورَ والمخدِّرات، والعقاقير المخدرة، ويمارسون كلَّ أنواع الفُحْش الشاذ.

– نبش القبور والعَبَث بالجُثث، والرقص عليها، وممارسة الجِنس مع الجُثث الحديثة الدفن.

– السُّكْر الشديد حتى الثُّمالة، مع تعاطي المخدِّرات بكميات كبيرة جدًّا، تجعل أشكالَهم تبدو بصورة غريبة وفظيعة.

– ذبح الحيوانات يُطلب من الأتباع الجُدد والأطفال تربيةُ حيوانات مثل القطط والكلاب، ثم يَجْبرونهم على قَتْلها بطعنها وإخراج دمائِها وأحشائها، وإجبارهم على شُرْب دمائها، وتلطيخ أيديهم ووجوههم بها.

– الصلاة للشيطان ممارسة صلاتهم باللَّيْل؛ لاعتقادهم أنَّ الشيطان لا يقبل الترانيمَ مع ظهور أول ضوء.

– إشعال النيران وَسْطَ حلقة مستديرة في وَسَطِها نجمة خُماسية، والرقص على أنغام موسيقا الروك الصاخبة حولها، بعدَ تعاطي المخدرات.

– استحضار الشياطين في غرفة مظلمة، مرسوم على جُدرانها رموزٌ شيطانية، وفيها مَذْبح مُغطًّى بالأسود، تُوضع على المذبح كأسٌ مليئة بالعِظام البشرية، وخِنجر لذبْح الضحية، ونجمة الشيطان ذات الأجنحة الخمسة المقلوبة، وتكون الضحيةُ إحدى الأعضاء، ويُفضَّل أن تكون ابنة زِنًا.

ويبدؤون طقوسَهم بالرقص، ثم يخلع الجميعُ ملابسَهم، وتتقدم الضحية في وسط الراقصين؛ لتذبحَ ويُشرب دمها.

– شرب الدماء لاعتقادهم بتناقل الطاقَّة الرُّوحيَّة لحياة صاحب الدم نحوَ الشارب لدمه، وهذا الطقس يشمل دماءَ البشر والحيوانات على السواء، غير أنَّ دماء الأطفال هي المفضَّلة كأعلى القُربان للشيطان، فتجرُّع دمِ البريء الذي لم يقارفِ الخطيئة بعدُ، هو مِن شعائر تعظيم إله الشرِّ والخطيئة.

– أكل لحوم البشر لاعتقادهم بتناسُخ القُوَى الرُّوحية، وانتقالها من المأكول إلى الآكِل، كأكْل قلوب الضحايا وهم أحياء أمامَ ناظريهم، قطع الرقبة، وسَلْق أجزاء الجِسم في المرجل، فسخ أشلاء المولود الجديد لأكْله، أكْل التعويذة السِّحرية مركبة من خليط من أعضاء الجسم المأكول، وفضلاتُ الجسم تُستعمل بتلطيخ الأطفال بها وهُم عُراة، ويجبرونهم على أكْلها؛ تقرُّبًا للشيطان.

– حجرة التعذيب تُثبَّت الضحية على طاولة بقيود حديديَّة، ثم يُحلَق رأسها، بعدها يدخل قضيب بطول 85 سم مِن فتحة الشرج إلى المِعَى المستقيم، ثم يأخذ أعضاء الطقس في جرح صدر الضحية، ورسْم النجمة الخماسية الشيطانية المقلوبة، وتَحدَّث أطفال شهود عِيان عن نزْع الأعين، وقطْع الآذان، واستخراج الأدمغة، وخَلْع القلوب، وبَتْر الأيدي والأقدام، ومِن معتقدات عبدة الشيطان أنَّ عذاب الأضحية، كلَّما كان أبطء تحصَّلوا على قوة رُوحيَّة أكثر، وقَبول من الشيطان أكبر.

– سحق العظام ليتمَّ تحويلها إلى مادة أولية لصناعة أواني يستعملونها في طقوسهم، كالكؤوس والفناجين، والصحون والدُّمَى، وما زاد عن حاجتهم يبيعونه للجماعات الأخرى من عَبَدة الشيطان مثلهم، ويحتفظون أحيانًا بالجماجم؛ ليشربوا فيها الدم.

– الاغتسال بالدماء يُدعَى الطقس بـالقمر الدموي، ويكون في اللَّيالي القمرية الحمراء، حيث يتمُّ ملءُ مغطس بالدِّماء، بشرية أو حيوانية، ويغطس فيها لمدَّة زمنية معينة.

– قتل الحيوانات للحصول على دمائها، يقوم الأتباعُ بتربية بعض الحيوانات الأليفة، ثم يُجبِرون أطفالهم على قتلها؛ ليتولَّدَ فيهم نزوة التلذُّذ بإيلام الآخرين، وعدم الاشمئزاز أو الخوف من القَتْل، والحيوانات المقتولة تكون من الحقيرة الصغيرة، كالفئران والجُرذان، إلى الضخمة كالأبقار، ولا يرحمون لا القِطط ولا الكلاب.

– طقس القارب تُمدَّد الضحية على القارِب، وتُنشر عليها الأفاعي كي لا تتحرَّك، وحولها 6 شموع حمراء مضاءة، ويحيط بها 6 من أعضاء الجماعة، وهذا الطقس هو طقس التطهير من خطايا معاداة الشيطان.

– ممارسات جِنسيَّة شاذَّة، والأذى الذاتي.

عبدة الشيطان في الوطن العربي

أرجع صفوت وصفي أسبابَ هذه الظاهرة بالوطن العربي إلى أمور سبعة، نوجزها هنا؛ ليظهرَ لنا جانبٌ من أسباب تلك الطاعة العمياء للشيطان[23]

1- سياسة تجفيف المنابِع، التي ازداد أُوارها بعدَ عملية السلام مع العدو الصِّهْيَوني، حيث انبثق عنها ما يُعرف بعمليات تطبيع العلاقات مع اليهود، والتي استتبعتْ غربلةَ المناهج الدراسيَّة، وإجراءَ كثير من التعديلات، والحذف لصالِح هذا التوجُّه، فضلاً عمَّا هو موجود أساسًا، من تحجيم لمواد التربية الإسلامية[24].

2- دور الإعلام المتواصِل عن طريق وسائله المنوَّعة في إثارة نزوات الشباب من الجِنسَيْن، وإشغالهم بالفِكر الهابط الرديء، والأغاني الماجِنة، والأفلام الخليعة، وترويج الكُتَّاب اليساريِّين للأفكار المنحرِفة في المجتمعات الإسلامية.

وقد اعتبر أنَّ مِن إرهاصات فِكْر عبادة الشيطان في بلادنا، المحاضرة التي ألقاها في بيروت الشيوعي السوري د. صادق جلال العظم سنة 1996 بعنوان مأساة إبليس، دعا فيها إلى ردِّ الاعتبار لإبليس، وهي المحاضرة التي ساقتْه إلى المحاكمة التي تراجع أمامَها؛ لينجوَ من العقاب، وهو تراجعٌ كاذِب، وقد ضمنها مِن بعد كتابَه نقد الفكر الديني.

3- سوء استغلال شبكات الاتصالات الحديثة (الإنترنت)، والتي تحتوي على برامجَ تروِّج لمِثْل هذا الفكر المنحرِف، خاصَّة وأن شبكة الإنترنت، هي الوسيلة الأهم لنَشْر أفكارهم، والتواصُل بيْن الأتباع، ولهم على هذه الشبكة أكثرُ من ثمانية آلاف عنوان.

4- تحجيم التوعية الإسلامية، من برامجَ ومحاضرات وندوات، عن طريق العلماء والدُّعاة، ولا سيَّما في الجامعات والنوادي، والمراكز التربوية، بدعوى أنَّ لِمَن يلقونها أهدافًا غير مرضيٍّ عنها.

5- الحياة المترَفة والمنفلِتة، التي تعيشها أُسَرُ هؤلاء الشباب، بكل ما تعنيه الكلمة من معنًى، من شيوع التبرُّج والسفور، والاختلاط بيْن الجِنسَيْن، وترْك مسؤولية تربية الأبناء للخَدَم، أو للمدارس الداخلية، والتي عادةً ما تكون أجنبيةَ الولاء.

6- المدارس المختلطة بين الجِنسَيْن في كثير من الدول العربية، وخاصَّة الجامعات، ووضع المناهِج المختلطة، ووصول الأمْر إلى تدريب هؤلاء الشباب من الجِنسَيْن، في دورات ومعسكرات مختلطة، لا شكَّ أنها وسيلةٌ لإشاعة الفاحشة بينهم.

7- السياسة الأمنية المتطرِّفة، حيالَ الاتجاهات الإسلامية في بعض الدول العربية، والتي لا تُفرِّق بين صالح وطالح، ولا بيْن معتدلٍ وغالٍ.

8- تسخير وسائل الإعلام والثقافة والفن كافَّة؛ لنشرِ أفكار عَبَدة الشيطان، وجعلها مستساغةً عندَ المسلمين، ومن ذلك نشْرُ وسائل الإعلام الغربية لأفلامٍ تتحدَّث عن مصَّاصي الدماء، وأشخاص ذوي قُدرات سِحريَّة؛ ليغروا الشبابَ بامتلاكها إن وجدت، مثل فيلم الغراب the crow، ومسلسل بافي، وإنجل، وبلايد وإندر وورد وغيرها، وللأسف تساهم كثيرٌ من الفضائيات العربية في نشْر مثل تلك الأعمال.

عبدة الشيطان في الجزائر

في تحقيقٍ أجراه الصحفي الجزائري أمين شاوش، اكْتُشِف لأوَّل مرة وجودٌ لعَبَدة الشيطان بالجزائر رسميًّا، بجامعة باب الزوار.

من تقاليدهم اللِّباسُ الأسود للرجال، والشفَّاف للفتيات، ممارسة الجِنس في الظلام، مع إشعال شمعتين في زاويتين متقابلتين، الرَّقْص على الموسيقا الصاخبة البلاك ميتال، التي يؤمنون بأنَّها توصلهم إلى نور النفس.

ومن أهم معتقداتهم اعتقادُهم بعدم وجود الله، وأنَّ وجوده خرافة ابتدعها العقلُ البشري، وأنَّ المسؤولية الأخلاقية منتفية، كما أنَّ الشيطان يمثِّل الذكاء، والتحرُّر، والسعي الدائم نحوَ الشهرة والمال والقوة؛ لأنَّه هو الذي أخرج آدمَ مِن الجَنَّة، فهو القوي، وجميعُ أفرادها من الطبقة الغنية الراقية، الشيء الذي ساعدهم على البَذَخ والتَّرَف، والعيش في مجون..[25].

عبدة الشيطان في تونس

كشَفَ تقريرٌ إخباري عن وجود طائفة من عَبَدة الشيطان في تونس مكوَّنة من نحو 70 شابًّا، أغلبهم من طلبة الجامعات والمدارس الثانوية.

وأغلب أفراد هذه الطائفة يَقْطُنون العاصمةَ تونس، ويُحيطون نَشاطَهم بسِريَّة تامَّة، يجتمعون بثلاثة فضاءات سِريَّة بالعاصمة، لممارسة (طقوسهم)، المتمثِّلة في الرَّقْص على أنغام موسيقا الهارد روك الصاخبة، وذبْح كلاب وقطط سوداء، وشرب دمائها، وممارسة الشذوذ الجِنسي الجماعي.

وأتباع هذه الطائفة يُميِّزون أنفسَهم بوضْع عصابة سوداء عريضة على مِعْصم اليد اليُمنى، وارتداء ملابس وقُبَّعات سوداء، عليها صور لجماجم بشريَّة، وحمْل حقائب وإكسسوارات تحتوي على اللونين المفضَّلَيْن لعَبَدة الشيطان، وهما الأحمر والأسود، ويستعملون فيما بينهم أسماءً غريبة، وأحدُ الأعضاء غيَّر اسمه من محمد إلى عزرائيل[26].

عبدة الشيطان في المملكة المغربية[27]

القِصَّة بدأتِ الأربعاء 14 – 2 – 2007، حينما أبلغ تلاميذُ شاهدوا الحادثة، وهي تبوُّلُ مراهقين يلبسون أزياءَ غريبة، يغلب عليها الطابعُ الأسود، على المصحف الكريم داخلَ المدرسة؛ لينتشرَ الخبرُ بعدها خارجَ أسوار المدرسة وداخلَ المدينة، مما تسبَّب في انهيار أستاذة لم تتحمَّلِ الخبر، إذ شرعتْ في البكاء والصُّراخ.

وعن هذه المجموعة أضافتِ المصادر نفسُها أنَّ أغلبها فتيات، ويبلغ عددها نحو 13 شخصًا، ويرتدون ألبسةً سوداء، ويعلق بعضهم الصلبان حولَ أعناقهم، ومعظمهم من عائلات ميسورة.

ومن خارج المدرسة، أكَّدت لـإسلام أون لاين.نت مصادرُ مقرَّبة من حِزب العدالة والتنمية – فضَّلتْ عدم الكشف عن نفسها – أنَّ الظاهرة في تنامٍ مستمرٍّ بمدينة القنيطرة، حيث تنتشر في بعض المناطِق مجموعاتٌ من المراهقين ذات لبس أسود موحَّد، ويعلقون صلبانًا وأقراطًا، ويوشمون أشكالاً غريبة على أجسادهم، وأوضحتِ المصادر نفسُها أنَّ نشاطاتِ هذه المجموعات يلفُّها الغموض، وشدَّدتْ على أنَّ الأمر خطير، ويستلزم تكاتفَ جهود الأمن، والأُسر، والمربِّين في المدارس؛ لإعادة هؤلاء المراهقين التائهين إلى دِفء المجتمع.

واعتبر د.العلمي هذه الظاهرة نوعًا من التمرُّد، والرغبة في إظهار الجديد، التي تأخذ بعقول المراهقين، خاصَّة في ظلِّ وسائل الاتصال المتطوِّرة، التي أصبحتْ تميِّز العصر الحاضر.

ومتفقًا مع ما ذهب إليه د.العلمي، اعتبر الدكتور حسن قرنفل – الخبير الاجتماعي المغربي – أنَّ انجذاب فئة من المراهقين إلى حلقات عَبَدة الشيطان هو ضريبة العولَمة والتحرُّر، فالسياسة الليبرالية ليستِ اقتصاديةً فقط، بل لها انعكاساتٌ على باقي المستويات الأخلاقيَّة، والسِّياسيَّة والثقافيَّة.

ويرى د.قرنفل في تصريحات صحفية أنَّه لكي يحافظ المجتمع على توازنه لا بدَّ من أن تكون الأسرة مواكبةً لعملية الانفتاح، بنوع من المتابعة اليَقِظة لسلوكيات أبنائها وبناتها، لكن الملاحظ في المغرب أنَّ تراكم الأعباء على الآباء، والتطوُّرات المتلاحقة للتكنولوجيا، تسمح للشباب بالاتصال بثقافاتٍ أخرى دون أيِّ مراقبة، أو توجيه من الآباء[28].

عبدة الشيطان في مصر

اشتهروا في مصر في أواخر سَنَة 1996م، وأوائل سنة 1997م، لَمَّا قبضتِ الشرطة على نحو 140 فردًا منهم، من الذُّكور والإناث، كانوا جميعًا من أولاد الطبقة الغنية، تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، وأنهم مِن خرِّيجي المدارس الأجنبية، ولا يعرفون شيئًا عن الإسلام برغم أنَّهم – في الأصل – مسلمون.

وعبادتهم للشيطان – كما ذكر هؤلاء الشباب لأساتذةِ الأزهر الذين ناقشوهم – إنما لأنَّه رمزٌ للقوة والإصرار، ولكلِّ ما هو لذيذ، وينبغي اقتناؤه وحيازته، ولم تكن أخلاقياتُ التوراة والإنجيل والقرآن، إلا لتكريس الضَّعْف، وحماية الضعفاء، وهؤلاء الأولاد يُريدون القوَّة، وأن يُشكِّلوا النظامَ التربوي من جديد، ويعيدوا النظرَ في أهداف التعليم، ويُقيموا العلاقات بين الناس وَفقَ مذهب اللذَّة والمنفعة، ويُقنِّنوا للحرْب التي هدفها الاستعلاء والاستكبار، وسيادة الجِنس الأقوى، والفرْد الأقوى.

وهؤلاء الجماعة ليسوا ناديًا ليليًّا، أو مضحكة يلهو بها الضاحكون، وإنما هم مجتمع رِسالة، هدفُهم تحصيل البديل للدافع الدِّيني المعاصر، بأن تكونَ لهم القوة الشيطانية، والقدرات الشيطانية، والذكاء الشيطاني.

وواضحٌ من أقوال معلِّمي الجماعة الذين ناقشهم علماءُ الأزهر أنهم يعتبرون عبادةَ الشيطان هي الموضة الجديدة، أو صرعة التسعينيات، مثلَّما كانتِ الوجودية صرعة الخمسينيات، والهيبيز صرعة السبعينيات.

ويؤكِّد معلِّمو الجماعة في مصر أنَّ عبدة الشيطان ليسوا من الخاملين، فهم موهوبون ومبدِعون، وليسوا منحرِفين، ولكنَّهم يمارسون الحياةَ من غير قيود الأخلاقيِّين، وعبدة الشيطان في مصر يستمدُّون أفكارهم كذلك من كتاب الإنجيل الأسود، المطبوع في إسرائيل خِصِّيصًا لبلاد الإسلام، وكانتْ أول مجموعة تم القبض عليها من المتردِّدين على منفذ طابا.

يردُّ الدكتور مصطفى الشكعة حركةَ عبدة الشيطان إلى شكلية تدريس الدِّين في المدارس الإسلامية، ويَزيد ذلك دراسةُ طلبة الجامعات لموادَّ تدعو إلى الغُرْبة الدينية؛ ولذلك يتخرَّج الكثيرون وقد تعرَّوْا من كلِّ ثوْب ديني.

ويقول الدكتور عبدالبديع عبدالعزيز إنَّ قضية مثل عَبَدة الشيطان لا تنشأ في مجتمع جادٍّ تَميَّز بالقيم الدينية، ولكنَّها تظهر في طبقة المترفين، ذوي الخواء الفِكري، والضحالة الدِّينيَّة، فعلى الرغم من الوفْرَة المادية وملذَّاتها الحِسية، نجد الشابَّ متخلفًا رُوحيًّا، يبحث عن أيِّ معبود من دون الله، وقد ثَبَت الآن أنَّ الإيمان فطري، وأنَّ الشباب في حاجة للإيمان، وقد تهيَّأتْ لشبابنا الأفكارُ الشيطانية دون غيرها، فصاروا شيطانيِّين.

يقول الدكتور عادل الأشول إنَّ هذه الدعوى لم تَجِد صدًى إلا عند الشباب في سِنِّ المراهقة، ومعروف أنَّ مرحلة المراهقة بمثابة ميلاد جديد، وفترة تمرُّد وعصيان، وتكوين هُويَّة، ووسائل الإعلام عليها العبءُ الأكبر في التأثير على أبنائنا في سِنِّ المراهقة.

ويقول الدكتور أحمد زايد إنَّ عَبَدة الشيطان إحدى صُور الانحراف، أفرزتْها موضةُ الثقافة الاستهلاكية، وكان ظهورها بين أبناء الطبقة المترَفة، الذين هم أكثر انفتاحًا على نمط الثقافة الاستهلاكيَّة.

ويقول الدكتور عطية القُوصي إنَّ هذه الحركات ظهر مثلُها في العصْر العباسي الأوَّل، ولُوحِظ ارتباطها منذ البداية بالمجوسية والزرادشتية، وتمثَّلت في حركة المقنعة والخرمية، وتبنت أفكار الزندقة، التي راجتْ آنذاك على يدِ الفُرْس، ابتداءً من حُكم الخليفة أبي جعفر المنصور، حتى عصر الخليفة المأمون، وهي حركات هدَّامة، قصد بها الفُرْس هدمَ الدِّين الإسلامي، وتقويضَ المجتمع، ولكنَّها دعتْ إلى أن ينغمسَ الناس في الملذَّات والشهوات بلا ضابط، وإسقاط الفرائض، وعَبَدة الشيطان حركةٌ كغيرها من الحركات الإلحاديَّة في الإسلام، ومثيلتها قديمًا حركة الصابئة، وهم عَبَدة الشيطان في منطقة حرَّان بشمال العراق، ولَمَّا زارهم الخليفة المأمون، وجدَهم قد أطالوا لحاهم وشعورهم وأظافرهم، وكان هؤلاء أوَّلَ إعلان لعَبَدة الشيطان في التاريخ سنه 170 هـ.

وقد نبَّهتْ وسائلُ الإعلام إلى بعض غرائب هذه الجماعة في مصر، ومنها مسألة نبش القبور السابق ذِكْرُها، فعادة ما يذهبون نهارًا إلى المقابر، خاصَّة مقابر الكومنولث بمصر الجديدة، ويقومون بالنبش، والبحْث عن جُثث الموتى، ويتراقص كبيرُهم فوقَ الجُثَّة التي يعثرون عليها، وغالبًا ما يُفضِّلون الجثث حديثةَ الوفاة، ويذبحون القطط باعتبار نفوسها من الشيطان، كما في الفولكلور المصري، ويشربون من دمائها، ويُلطِّخون أجسادهم ووجوههم بها، ثم يذهبون إلى الصحراء؛ ليعيشوا فيها أيَّامًا لا يضيئون شمعة، وإنما يَحْيَوْن في الظلام، وعلامتهم بينهم رَفْع إصبعين رمز الشيطان، وتلك الإشارة هي السلام فيما بينهم[29].

وقيل في تبرير نبش القبور والمبيت في الجبَّانات إنه لتقسية قلوبهم، ولمعاينة العَدَم، والشعور به محسوسًا، والتدريب على ممارسة القَتْل دون أن تَطْرِف لهم عَيْن.

وقيل عن تلطيخ اليدين والجِسم بالدم إنَّه ليكون العضو دمويًّا، عنيفًا لا يخشى الموت، ولا يرهب القَتْل، ويأبى الخضوعَ لأحد، ويزيد إحساسه بالقوَّة.

ومِن علامات الإناث عابدات الشيطان طلاء الأظافر والشفاه باللَّوْن الأسود، وارتداء الملابس المطبوع عليها نقوشُ الشيطان، والمقابر والموت، والتزيُّن بالحُليِّ الفِضية، ذات الأشكال غير المألوفة، التي تعبِّر عن أفكارهم، مثل الجماجم، ورؤوس الكباش، وتخزين شرائط كاسيت مسجلٍ عليها أغانٍ فيها ازدراء للدِّين.

وأكَّدت التحقيقات أنَّ أفراد الجماعة يبلغ في مصر 2000 عضو، منهم مذيعات، وأبناء فنانين وموسيقيِّين كبار، وتبيَّن أنَّ هناك محلاَّت متخصِّصة في ملابس عَبَدة الشيطان، وفي موسيقاهم، وأندية خاصَّة، ومطاعم تستقبلهم وتخصُّهم.

ويقول فهمي هويدي إنَّ من أسباب سقوط الشباب المصري المسلِم غياب المشروع الوطني الذي يستثير حماسَ الشباب، والفراغ الشديد الذي يُعانون منه، والجدب السياسي، وانعدام النشاط الطُّلاَّبي والتربية في المدارس، وتدهور الثقافة الدِّينيَّة، وتغيير منظومة القِيَم في المجتمع، وصدارة قِيَم الوجاهة، و(الفهلوة) والثراء والكسب السريع، واشتداد حملة التغريب، والإصرار على هَتْك الهُويَّة، واقتلاع الجذور، والانقطاع عن الأصول، وتخبُّط الخطاب الإعلامي، واجتراء البعض على المقدَّس، والتركيز على الأمْن السياسي دون الأمْن الاجتماعي، وتأثيرات الوجه السلبي لثورة الاتصال.

وفي رأي الدكتور عبد الوهاب المسيري أنَّ إبليس في عبادة الشيطان، ليس كائنًا له قرون وذيل، وإنما هو يتمثَّل في فكرة إنكار الحدود، وإعلان الذات والإرادة، وهي فِكرةٌ محورية في الحداثة الغربية، ظهرتْ في الرؤية الداروينيَّة الاجتماعيَّة، وفلسفة نيتشه، التي تهاجم العطفَ والمحبَّة، والعدلَ والمساواة، باعتبارها أخلاقَ الضعفاء، والعالَم في منظورها ليس سوى خلية صِراع، لا يوجد فيه عدلٌ أو ظلم، وإنما فقط قوَّة وضَعْف، ونصْر وهزيمة، والبقاء ليس للأفضل، وإنما للأصلح مِن منظور مادي؛ أي للأقوى.

وإذًا، فهناك مطلَق واحد، هو إرادةُ الإنسان البطل القوي المنتصر؛ الإنسان المتألِّه؛ أي الشيطان بالمعنى الفلسفي، وعبادة الشيطان من أنماط الغنوص، أو العرفان الفلسفي، الذي يُعجِب الذين يُعانون الفراغ الرُّوحي، والفلسفي والنفسي، والعبادة الإبليسية هي عبادةُ الذات، وهي قَبول النسبي، والغَوْص فيه دون بحْث عن ثوابت، وهي ميتافيزيقا كاملة، ولكنَّها متجسِّمة في المادة داخلَ الطبيعة والزمان، فهي عبادةٌ لشيء حقيقي ملموس، وهذا هو جوهَر العبادات الجديدة، التي تجعل الإله ماديًّا يمكن الإمساكُ به، ومِن ثَمَّة فهي وثنية جديدة، كما أنَّ الإيمان هنا لا يُحمِّل الإنسان أية أعباء أخلاقية، فهو لا يضطر لكبح جماح ذاته، وإنما يطلب منه أن يُطلقَ لها العِنان.

ولذلك، فليس غريبًا أن تأخذ هذه العبادة شكلَ ممارسات جِنسيَّة، فهي تعبيرٌ عن تمجيد الذات، وتعظيم اللذَّة، ورفض المعايير الاجتماعيَّة، كما أنَّها تعبيرٌ عن فلسفة القوة والإرادة، وهي القِيَم السائدة حاليًّا.

وذكر المفتي الدكتور نصر فريد أنَّ عبدة الشيطان مرتدُّون عن الدين؛ ونظرًا لحداثة سِنِّهم يجب استتابتهم، فإن رجعوا عن أفكارهم الفاسدة يمكن العفوُ عنهم، وإن أصرُّوا على الانحراف يُنفَّذ فيهم حُكمُ الشَّرْع.

عبدة الشيطان في لبنان[30]

وُزِّعت على منطقة الصرفند في قضاء صيدا جنوب لبنان بياناتٌ، ووصلت العربية.نت نسخةٌ منها، وحمل البيان شعار عباد الشياطين، هو عبارة عن (666، وصليب مقلوب).

وأوضح الصحفيُّ اللبناني هيثم زعيتر لـالعربية.نت أنَّ البيان تمَّ توزيعه في بلدة الصرفند التي تتبع قضاء صيدا، وتبعد حوالي 15 كم عن مركز القضاء.

وعن ظهور عَبَدة الشيطان في الجنوب، يقول زعيتر سابقًا عندما برزتْ قضية عبادة الشيطان في لبنان، لم تلحظْ في الجنوب بشكل فعَّال، وكانت تتوفر أخبار عن وجودهم في الكهوف والمقابر، خصوصًا المقابر المهجورة، فكان يتمُّ التأكُّدُ من هذه الأماكن، فيتبيَّن أنَّ بعض الأشخاص يمضون سهرة، ويتناولون المشروبات، وتم توقيفُ بعض الأشخاص في منطقة صور، وتبيَّن أنَّهم لا علاقة لهم بهذا الموضوع.

وسُجِّلت أكثر من حالة وفاة في السابق بسبب ظاهرة عبادة الشيطان، منها انتحارُ نجل أحد ضبَّاط الجيش اللبناني، وتبيَّن لاحقًا أنه كان على صِلة بعَبَدَة الشيطان، حيث طلبوا منه تنفيذَ الأمر بالانتحار؛ ليكونَ قربانًا وشفاعةً له، ولكن لم يثبت حتى الآن وجودُ تنظيم لعَبَدة الشياطين، أو أعداد كبيرة منهم.

ومن طقوس هؤلاء شُرْب الدماء، وممارسة الجِنس، والدعارة، ولكن حتى في المناطِق الإسلامية والنصرانية في الجنوب هناك حالةُ وعي ديني، وحالة فريدة للتعايُش الإسلامي النصراني في الجنوب، وفرصة ظهور هؤلاء ضعيفة.

وظاهرة عَبَدة الشيطان ظهرتْ في لبنان عن طريق بعض المغترِبين، الذين عادوا إلى بلدهم، وجلبوا هذه العاداتِ، وهي حالات غربية، تسعى لبثِّ السموم عبرَ أجيال الشباب، وخاصَّة مع وجود أجيال يمكن أن تَنساقَ حولَ مثل هذه الأمور.

ويؤكِّد تفاقمَ وانتشار ظاهرة عَبَدة الشيطان في لبنان تقاريرُ صحافية نَقَلتْ عن وزير الداخلية اللبناني الأسبق إلياس المر اعترافَه بوجود جماعات تمارس شعائرَ في القبور، وبتوقيف 50 مشبوهًا، ضمنهم شخص ضُبِطتْ في منزله زجاجةٌ فيها أفعى ميتة، ومجسَّم لمدفن، عليه صورة هذا الشاب، وصور ورموز شيطانية، وجمجمة لبقرة مغروز في قرنيها الدبابيس، وجمجمة بشرية، ورأس شيطان، واغتصاب جُثَّة فتاة في المتن.

ونشرت جماعاتٌ إسلاميَّة لبنانية تقاريرَ، مفادها أنَّ حالات الانتحار في لبنان كثرُتْ، بين من ينتمي أصحابها إلى أُسر معروفة، ومدارس مشهورة، دون معرفة السبب في ذلك؛ لأنَّ الخيار كان التكتُّم؛ خوفًا من الفضيحة، وتشويه السمعة.

وذكرت القبس الكويتية مؤخَّرًا أن هذه الظاهرة بدأت في لبنان عام 1992، وكان أوَّل المنتحرين (م. ج – 14 سنة)، وقد بعث برسالة إلى صديقه، طالبًا منه دفنَ أشرطة الروك إند رول، التي كان مولعًا بها معه، ثم توالتْ بعدها حوادث الانتحار المماثلة، حتى بلغتْ بحسب التقارير الأمنية 11 حالة.

عبدة الشيطان في الأردن[31]

ظهرتْ مشكلةُ عَبَدةِ الشيطان في الأردن في منتصف التسعينيات، وقد حاولتِ السلطات آنذاك التقليلَ من حجمها، إلى أنْ قبضت على مجموعة منهم في شهر سبتمبر أيلول سنة 2002، في إحدى قاعات الاحتفال في منطقة عبدون الراقية في عمَّان، وهم يُمارسون طقوسًا غريبة، ويرتدون ملابسَ فاضحة، ويتقلَّدون بسلاسل من ذَهَب، ويرقصون بطريقةٍ مثيرة، على أنغام موسيقا غربية صاخِبة.

وأعلنتْ دائرةُ المطبوعات والنشْر عن مصادرة نحو ألْف شريط فيديو، ومئات أقراص الكمبيوتر.

وكانت قد شهدتْ بعضُ الجامعات الخاصَّة تجمعاتٍ لهؤلاء الشباب والفتيات، مما سبَّب بعض الصدامات مع الطلاَّب والمدرِّسين، وقد تكرَّر في بعض الجامعات حوادث تلويث المصليات بالقاذورات، وهو ما حَدَث أيضًا في مسجد زيد بن حارثة بمنطقة الجَبَل الأخضر في مدينة عمان.

عبدة الشيطان في البحرين

نقلتْ وكالة يو بي آي عن صحيفة الوطن السعودية في 12 4 2005 أنَّ السلطاتِ البحرينية على وشكِ القبض على رئيس تجمُّع عَبَدة الشيطان في البحرين، بعدَ حصولها على معلومات عنه، عقبَ اكتشافها حفلاتٍ للشواذِّ في أحدِ فنادق العاصمة المنامة.

ونقلت الصحيفة عن طالب في المرحلة المتوسِّطة أنَّه تلقَّى دعوة إلى الحضور من جماعة مجهولة، نظَّمت 3 لقاءات منذ العام الماضي، في حين تجاوز أعداد الحضور 150 شخصًا من عَبَدة الشيطان، غالبيتهم تقلُّ أعمارهم عن 15 عامًا.

وأشار عضو بمجلس الأمة البحريني، إلى أنَّ حفلات الشواذ التي تُقام في العاصمة يحضرها شواذُّ قَدِموا من دول خليجية أخرى[32].

ختام القول

إنَّ ظاهرة عبدة الشيطان داءٌ لا ينبغي الاستهانةُ به، أو الرَّمْي بالأبحاث الجارية حولَهم في (سلاَّت المهملات)؛ بدعوى أنها شطحات مراهِقة لا غير، فالفتى سيشبُّ ويصير رجلاً، وما ميَّز هؤلاء المراهقين أنَّ جُلَّهم من عِلية القوم، بل بعضهم من أبناء الملأ الحاكم، وخلال سنوات، يكون البعض منهم في مراكز الأمْر والنهي، والحل والعقد، ويجتمع عليهم خلقٌ بين طامح وطامع، فلا ينفع ندمٌ يومَها، وننادي حين لا يُجدي النداء.

فعلى الدُّعاة ليس التحذير من عَبَدة الشيطان، أو أفكارهم فحسب، بل عليهم محاربة خُطواتِهم الدعوية، التي تتفشَّى بين المراهقين، من الموسيقا الصاخبة، وخاصة البلاك ميتال، ودعوة المسؤولين لمنعها؛ لأنَّها ليست طنينًا تصدع به الرؤوس، بل هي فلسفة فِكريَّة، مبنية على دراسات نفسيَّة حولَ مدى تأثير الإيقاع الصاخِب على تركيز الدماغ وتخديره للعقل.

وعلى الدُّعاة التحذير من قصَّات الشَّعْر الغريبة، والوشْم، ووضع الأقراط، وإشارات عَبَدة الشيطان.

وعلى الدعاة النفير بالمعلِّمين والمؤدِّبين لتعليم الأطفالِ أصولَ العقائد، وتنبيه الأولياء أنَّ فلذات أكبادهم ليسوا بهائمَ، يخرج الأب يكدُّ ليعلفَهم، بل هم كائناتٌ حسَّاسة، لها مشاعرُ تتعاظم خطورتها حالَ المراهقة، فإن لم يجد الابنُ الأب، أو الأخَ الأكبر المرشد له، المستوعِبَ لهمومه فلمَن يشكو؟! بالطبع لأولاد مثله، وأعْمى يسترشد بأعمى، هل سيهديه الطريق؟!، والأمر متفاقِم مع البنات، فالأمُّ في عالَمها، والبنت في تِيه، وإن كان عَرين البيت بلا أسد، فللضِّباع أن تستأسد، وجُلُّ الفتيات مِن عَبَدة الشيطان في الدول العربية، ممَّن لا رقيب عليهنَّ.

ولذا؛ فعلى الجمعيات الدعوية أن تُكثِّف نشاطها، لا بأن تنتظر الطارق الحيران! بل تسعى نحوَهم؛ لأنَّهم لا يَدْرُون على من يطرقون أولاً، وزاد الزخم الإعلامي المضلِّل للقنوات الوطنية والإباحيَّة، والتي تُسمَّى فنية!! فما يتكلَّمون عن أهل الاستقامة والتديُّن، إلا غَمَزُوهم ولمزوهم، ولا يظهرونهم على الشاشة إلاَّ في صورة مغفَّل، لا يدري ما حولَه، أو خبيث طامع، منافق مستغل للغَيْر، وقاموا، فقالوا لا سياسةَ في الدِّين، ولا دِينَ في السياسة، بل الأجدر بهم أن يُعلنوها صراحةً لا حياة في الدِّين، ولا دِينَ في الحياة.

فعلى المُتْرَفين أن يعوا أنَّ مصائبَ ذريتهم إنما هي بسبب إهمالهم وتَرَفِهم، وبُعْدهم عن الدِّين، فعليهم تقويم أنفسِهم، وتقويم سفهائهم من ذويهم، أو على الدولة تأديبهم وتأديب أوليائهم؛ لأنَّ الدابة إن أفسدتْ زَرْعَ قوم، فالوِزر على مالكها، فكيف يُطلِق هؤلاء لأولادهم العِنان، ويوصونهم كُلوا واشربوا، فإنَّ موعدكم الجِنان، ولا يقربنَّكم كائن مَن كان، فأنت ابنُ فلان، وصاحبك ابن علان؟!

كما على المطَّلعين على نشاط هؤلاء تنبيهُ السلطات الأمنية، فسكوته لن يَحميَه مِن شرِّهم، لا هو، ولا بنوه، ولا أقاربه، فإنَّ أولئك لا يرحمون الرُّضَّع، ولا الشيوخ الرُّكَّع.

وعلى السلطات منعُ تداول أقراص عَبَدة الشيطان، من أفلامهم إلى موسيقاهم، إلى أزيائهم، ومتابعة كتبهم وأفكارهم، والحذر مِن تسرُّبِها، فكما أنَّ للدولة مخابراتٍ أمنية، فعليها تحريك المخابرات الفِكريَّة والعقدية، فإنَّ خطر هؤلاء يمسُّ الأمن القومي، إذ لا ولاءَ عندهم لأوطانهم، ولا لبني جلدتهم، وفِكرُهم لو شاع سيهدِّد الأمنَ الاجتماعي والأُسري، فما لهؤلاء القوم لا يَفْقهون حديثًا؟!

والسلامُ على مَن اتَّبع الإسلام، وشريعةَ خيْر الأنام – صلَّى الله عليه وسلَّم – وعلى آله وصحبه الأطهار الكرام.

[1] الطوطمية مصطلح لعالِم الاجتماع اليهودي دوركايم، ويُراد به الرموز الدينية المجسَّمة، كالأصنام والصور.

[2] السحر في التوراة والعهد القديم، شفيق مقار، ص 29.

[3] أشهر ماركة مسحوق تنظيف في الجزائر.

[4] ديانة قدماء المصريين، استيندرف؛ ترجمة سليم حسن، (ص 83 – 86).

[5] وقد اختلف فيهما، هل هُمَا مَلَكان أم لا؟ وإن كانَا مَلَكين، هل التعليم من باب النَّهْي، أم الاختبار؟ أما رواية تحول المَلَكين إلى بشرين، وفِتنة امرأة لهما، وتحولها إلى كوكب الزهراء، فقد ضعَّفها غيرُ واحد من أهل الحديث والتفسير، والله أعلم.

[6] وهذا ما نراه في زماننا ممَّن يتقرَّبون (للأولياء) الأسياد، فلكلِّ ولي سيد عندهم (حكمة)، و(سر)!!

فهنالك المختص بالزواج، وله طقوسه، وهناك المختص بالإنجاب، وله قُرْبانه، وهنالك كاشف الكُرَب، ومعالج السِّحْر، والشافي من جميع الأمراض، بل هنالك أولياءُ، لكلِّ واحد منهم اختصاص بشفاء مرض معيَّن، باستعمال تراب قبرِه!! ولله في خلقه شؤون.

وقد يظن البعض بأنَّ هذا من فِعْل كبار السِّنِّ الذين خَرِفتْ عقولهم، لا والله؛ بل أعرف من أقاربي خريجَ جامعة، بل دكتورًا، وزوجته معها ليسانس، ولَمَّا لم يُرزقَا بالأولاد في سَنَة زواجهما الأولى توجَّها إلى قبر (ولي)، وتقرَّبا له، واستعملاَ ترابه، وأظنه (الولي) مختصًّا في أمراض النساء!

ولما ناقشتُهما وأعياهما الجدلُ والمراء، قالت زوجته بأنه اكتشف علميًّا أن في مكونات تراب الولي موادُّ شافية، أجَلْ، علميًّا!!

دراسة أربع سنين للعلوم الشرعيَّة راحتْ في (كمشة) تراب، ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله.

[7] التاريخ الذي تعنيه الأرقام المحفورة على قاعدة الهرم في ورقة الدولار بالحَرْف الروماني (MOCCLXXVI) تعني 1776، وهو نفسه تاريخ إعلان بدأ المنظَّمة النورانية تنفيذ مخططاتها، وليس تاريخ إعلان وثيقة الاستقلال الأمريكي.

[8] أرشيف ملتقى أهل الحديث، – 3 – ج20، ص 406.

[9] أرشيف ملتقى أهل الحديث – 3 – ج20، ص 413.

[10] موسوعة الأديان الميسَّرة، ص 323 – 324.

[11] عبدة الشيطان، الباش، ص 58.

[12] عبدة الشيطان المعاصرون – التعريف والأفكار، موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة، (129).

[13] وكالة رويترز  23 3 2005.

[14] يؤكِّد العلامة إحسان إلهي أنَّ أصل التصوُّف شيعي فارسي، وليس من السُّنة أو العرب، وقولُه يُسنده بعضُ الحقائق التاريخية، من كون أوائل الصوفية من بلاد العراق، وكانوا مجاورين للنصارى، والمتعمِّق في التصوف يلاحظ التقاربَ مع المعتقدات الفارسية الرُّوحانية والهندوسية.

[15] هو الشيخ عدي بن مسافر بن إسماعيل بن موسى بن مرْوان بن الحسن بن مرْوان، الهكاري مسكنًا، (الأُموي نَسبًا)، العبد الصالح المشهور، الذي تنتسب إليه الطائفةُ العدوية، سار ذكْرُه في الآفاق، واتبعه خلق عظيم، وجاوزوا حسنَ اعتقادهم فيه، حتى جعلوه قبلتَهم التي يُصلُّون إليها، وذخيرتهم في الآخرة التي يعولون عليها، توفِّي سنة سبع، وقيل خمس وخمسين وخمسمائة في بلدة الهكارية، ودُفِن بزاويته؛ وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، أحمد بن خلكان (1 316).

[16] الفتاوى الكبرى، ابن تيمية (1338).

[17] الحال هو الطين والحمأة، واعتاد اليزيديُّون أكْلَ التراب الناعم من تربة قبْر الشيخ عدي تبركًا، ويسمونه براتًا، كما يأكل بعض الشيعة الطين المجلوب من تربة الحسين، ويسمونها تربة الشفاء للتبرُّك.

[18] نقلاً عن دراسات في الفرق والمذاهب المعاصرة عبدالله الأمين (ص 268 – 269).

– النص يثبت تسميتهم باليزيدية بعدَ فترة من وفاة شيخ الطريقة، ويبيِّن أحد أسباب التسمية.

[19] قلائد الجواهر (ص 110).

[20] أصول الاعتقاد لدَى اليزيدية؛ مجلة الراصد 1 – 51.

[21] عبادة الشيطان بين الحقيقة والخيال، خالد غسان، الرأي 21 7 2005.

– عبادة الشيطان والاقتراب من الإثم، صالح الشورة، الغد 24 6 2005.

[22] إظهار الحق في الأديان والفِرق، محمد مختار المفتي (ص 177).

– عبدة الشيطان وحركات انحرافيَّة أخرى، حسن الباش (ص 75).

[23] مجلة الراصد العدد 1، ص 51.

[24] الشيطان – خطواته وغايته، وائل بشير، ص 71.

[25] عَبَدة الشيطان يَعْبُرون الحدود المغربية إلى الجزائر بدَعْم من جمعية فرنسية، أمين شاوش،  موقع جريدة النهار الجديد.

[26] عبدة الشيطان يظهرون في تونس، مراد حمادي، مدونات مكتوب.

[27] إسلام أون لاين.نت، عبدة الشيطان يُعَرْبِدون في القنيطرة المغربية أحمد حموش.

[28] فرق ومذاهب، عبدة الشيطان، مجلة الراصد الإسلامية العدد الحادي والثلاثون – غُرة محرَّم 1427هـ، (ص 7 -21).

-أخبار الحوادث المصرية 17 5 2001.

– إظهار الحق في الأديان والفرق، محمد مختار المفتي (ص  175 -180).

[29] وذاك برفْع البنصر والسبَّابة، وضم الخِنصر والأوسط مع الإبهام لتشكيل دائرة، وهذا الرمز مشهورٌ بين جماعات الروك.

[30] صور عَبَدة الشيطان، الظاهرة جديدة، العربية نت.

[31] أتباع عبدة الشيطان ينتقلون من مصر إلى الأردن، أحمد هريدي محمد، مجلة الراصد، العدد 1، ص 51.

[32] صحيفة الوسط البحرينية 15 4 2005.

المنظمات الشيطانية: فرسان الهيكل، الماسونية، عبدة الشيطان

المنظمات الشيطانية: فرسان الهيكل، الماسونية، عبدة الشيطان
بليل عبدالكريم    

مثلث برمودا
فرسان الهيكل (فرسان المعبد)، الماسونية (العلمانية: المنظمات اللادينية)
عبدة الشيطان (عقائد القبالاه، CABALA)

كان من نبوءة رسولنا – عليه الصلاة والسلام – أنْ تتداعى علينا الأمم، وتَجلَّت نبوءته بأنْ تداعت علينا – نحن معشرَ المسلمين – حتى المنظمات والحركات الهدَّامة، فما مر زمنٌ إلاَّ وتولَّدت من رحم الحقد، تَتَدافع للنَّيل من الإسلام والمسلمين، وتمالأ علينا حتى مَن كانوا فرقاء بينهم، فعلينا صاروا أشِقَّاء، لكن في العدواة لا غير، ففي زمن الرسول – عليه الصلاة والسلام – تَحالف اليهودُ أهل الكتاب، مع كفار قريش أهل الوثنية، ولا جامعَ بينهم غير عداوة أهلِ الإسلام ودينهم، وتظاهر على سَلَفِنا النصارى ومن قتلوا ربَّهم – بزعمهم – ولا جامعَ بينهم غير العداوة لأهل الإسلام ودينهم.

ولأن الأيام دول، والحرب بين المسلمين والكفار سجال بينهم، شاء ربُّ العزة أن تكون الغلبة للمسلمين بالسنان، فإن وهنوا فباللسان.

وأعداء الأمة كلما خبت الحرب وكلُّوا ووهنوا مِن قتالِ المسلمين في الميدان، تواروا في السراديب يحيكون الحربَ باللسان؛ وينشرون زيفَهم بما كتبت أيديهم، وفي أيام الله عِبَر وقَصص، يَرِد الآخرُ منها يُحاكي الأول، وما ذاك إلا ليُقاس عليهما ويوزنا، فيدري الكيِّس الفَطِن العلل ويعي العبر، فلا يلدغ مرَّتين.

وممن عادى المسلمين في الماضي الصليبيُّون، الذين تدافعوا على أرضِ الإسلام، وغزوها، ولحال اللِّقاء ولطول البقاء توالدت أفكارٌ وعقائدُ أثَّرت في الطرفين، من بينها إنشاء المنظمات السِّرية لقيادة حرب العصابات، وقيادة الأفكار الهدَّامة لتفتيت عزيمة المسلمين حالَ قُوتِهم العسكرية والحضارية، ولئلا يزعُم قارئ أنَّا نحكي التاريخ؛ لنبكي على اللبن المسكوب، وننتشي بمجدٍ كان وزال، ففي هذه الدراسة نحكي ما كان في عهدٍ وهنت فيه العزائمُ لدى المسلمين، فدخل عليهم النصارى من بين أيديهم ومن خلفهم، وكانت طوائف الشيعة الباطنية المجوسية من فوقهم ومن تحت أرجلهم، لا تدعُ للمسلمين قائمة إلاَّ هوت عليها ترديها أرضًا، ومناط الحديث أنَّ هذا ليس ماضيًا ولَّى وفات، يُحكى ويُطوى، بل الفِرَق السرية التي نشأت على هيئة مُنظَّمات طبية عسكرية عاشت إلى يومنا ومعها عقائدها التي نشأت عليها، غَيْرَ أنَّ أسماءها تغيَّرت؛ لئلا يقول قائل: هذه هي؟!

من بين تلك المنظمات: “فرسان الهيكل” التي تستمرُّ إلى يومنا تحت اسم “الماسونية”، ولأنَّ الكثير ممن قرأتُ لهم وجدت عندهم تداخُلاً بين المنظمات، ولصقَ بعضها بالآخر، دون أن يُحددوا الفاصل بينها، بل بكلامٍ أدبي أكثرَ منه علميًّا، كأنَّهم حوَّلوا الماسونية على أنَّها الغول الخفي، الذي يتسبَّب في كل المصائب للعالم عامَّة وللمسلمين خاصة، فتجد هذا الكاتبَ كلما ذكر منظمة هدامة، قال: وهي من أعمال الماسونية، دون مُجرد إيضاح الرابط أو العلاقة… وما أرى ذلك – مع حسن الظنِّ بالكاتب – إلاَّ من مُركَّب النقص، ورمي بلائنا على الآخرين، وبدل أن نُبدي العويلَ كالنساء، علينا أنْ نُحاربهم كالرِّجال، كل بما أوتي من علم أو فكر أو سُلطة، وبدل أنْ نتَّهم وَهَنَ المسلمين بأنه من جراء أولئك، فليعلمْ الكلُّ هذه القاعدة السلفية: “المسلمون لا يغلبون من عدوٍّ لقوته؛ بل لضعفهم”، فلنا ديننا المتين، ولنا شبابنا، ولنا عُلماؤنا، وبالتصفية والتربية يكون نصرُنا عليهم، لا بالعويل، وبأن نرميَهم بكل ساقطة؛ فلا يَجرمنَّكم شنآن قومٍ على أن لا تعدلوا، والتهويل من العدو مُراده إضعاف الهمم، وقهر العزائم.

لكنَّ الدراسة المتعمقة للعدو، وفهم تصوُّراته وغاياته، مع العقيدة الراسخة والعلم الأصيل والحكمة السلفيَّة، يكون نتيجتها أن يفرح هنالك المسلمون بنصر الله، وتدك حصونهم، ونجليهم من قلاعهم.

لتلك وذاك رُمت البحثَ في بعض الحركات الهدَّامة، التي أقامت الدُّنيا ولم تقعدها، وصارت الغولَ الأسطوري الذي يهول به تخلُّف الأمة، والشمعدان الذي تنصبُّ فيه معاصي أهل الإسلام، فكيف بهم لو دَرَوْا أنَّ هذه المنظمة الهدَّامة قد أخذت تعاليمَها من أراضي المسلمين؟! فالشرُّ قابع بين ظَهْرانَيْنَا، وما يأتي من الخارج لا ينشأ من العَدَم، بل يحفز ما كان قبل أن ينعدم.

نشأة الجمعيات السرية النصرانية:


من المتعارف تاريخيًّا لدى الباحثين أنَّ التجمُّعات السرية لا تتكوَّن إلاَّ حيث تتصادمُ مُعتقداتها ونشاطاتُها مع المجتمعات القائمة بها، فيكون التستُّر دليلاً على خطر العَلَن، وخطر الجَهْر بما يُسَرُّ في خبايا الأتباع، وغالب هذه التجمُّعات كان لها نشاطٌ معادٍ للنظام القائم، أو كان معتقدها يُناهض ما عليه الملأ الحاكم.
والمسلمون عَانَوا الأَمَرَّين من المنظمات السرِّية، خاصَّة الفارسية الشيعية، فبعد أن أجهدتهم المقاومة، وبسط المسلمون دينَهم قبل دولتهم على إمبراطوريَّة المجوس، غدا السُّلطان للإسلام لا شريكَ له من الأديان، فحاك أولو الدَّهاء من المجوس نظامَ الطعن في الظَّهر من أولي القُربى؛ ليقينِهم ألاَّ طاقة لهم، لا بجند المسلمين، ولا جند الإسلام – علمائهم – فكان لهم ظاهر به الرَّحمة، وباطن مِن قِبَله الكُره والحقد، فشكَّلوا أوائل عمليَّات الاختراق للفِرَق، ثم الترقي في مراتبها بين الأتباع، ثم الانفراد بالإدارة للمُريدين، بعدها بَث عقائدهم المجوسية، لكن بلباس إسلامي، ونَحت مُصطلحات عربية إسلامية، مع تشبيعها بالدَّلالات والمفاهيم المجوسية، فصاروا أمرًا واقعًا وشرًّا مفروضًا، وزعموا أنَّهم من الفرق الإسلامية، وما لبثوا أنْ كان لهم السُّلطان، فزعموا أنَّهم هم الإسلام، ولا أحد غيرهم، هذه المنظمات السِّرية صارت لها منظومة سِرِّية، ذات خبرة وحنكة وتَجربة بالغة النَّجاح؛ مِمَّا جعلها مدرسة لغيرها، خاصَّة أنَّ أقطابها حاكوا المؤامرة على نطاق عالمي؛ لامتداد سلطان المسلمين بين أمم كثيرة.

أمَّا أوروبا فقد عانت من المنظمات السرية اليهودية، إلاَّ أن عبقرية التنظيم، وتشكيل فرق الأتباع، وصياغة المنظومة الفكرية السرية – لم تكُن بحنكة؛ لذا كان مصيرُ تلك المنظمات أن تَجِزَّ عنوقَ تابعيها على أيدي المخابرات الملكيَّة، ومَحاكم التفتيش الكَنَسية، فنُفوذُ الكنيسة الروحي والسياسي قَلَّل منها في أوروبا إلى أنْ بدأت الحروب الصليبية، وتعرَّف الصليبيون على أنظمةِ إنشاء الجمعيات السرِّية على مَثَلٍ شامل عام لم يعرفوه إلاَّ في المشرق على وجه التحديد، فكانت الحروبُ الصليبيَّة طريقًا لوقوف الدُّعاة، وأصحاب النَّظريات “الثورية”، و”أحرار المفكرين” من الأوروبيِّين – على أسرار الجمعيات السرية ونُظُمها، والحركات الهدَّامة ونظمها وأساليبها، من شيوخ وأقطاب الملاحدة والباطنية الشيعة[1]، فأخذ الصليبيُّون نظم الجمعيات السرية الدينية والسياسية، من الباطنية الإسماعيلية والقرامطة والحشاشين، وتعاليم دار الحكمة وإخوان الصَّفا، فتكاثرت الجمعيات السرية في أوروبا متخذة من منظمات المشرق مدرسة، بالأخص جمعيات الاغتيال المنظَّم مثل الكربوناري، والنهليست، والإخاء الجهموري الإيرلندي… وغيرها.

وأوائل الجمعيات السرية التي ظهرت على إثر الاحتكاك بين الشرق الإسلامي والغرب النَّصراني، بين أُمَّة لا تَملك واسطة بينها وبين ربِّها، وأُمَّة عليها أن تطرق باب البابا كلما رامت مناجاةَ ربِّها، هي جمعية فُرسان المعبد (Templars)، أو فرسان المسيح، أو معبد سليمان، أو فرسان الهيكل، وتعرف عند العرب بالداوية، أنشئت في سنة 1119م عَقِبَ انتهاء الحرب الصليبيَّة الأولى، واستيلاء الصليبيِّين على أنطاكية وبيت المقدس، وتعيِين جودفري دي بويون ملكًا على بيت المقدِس بتسعة عشر سنة.

في حينها قامَ عصبة من تسعة سادة فَرنسيِّين برئاسة هوك دي بايان Hugh de Payans، وجودفرو دي سنتومار، وقطعوا العهد على أنفسهم بأنْ يتركوا الفروسية الدُنيوية، ويقوموا بحراسة الطُّرق، وحماية طريق الحجاج إلى القبر المقدَّس، وكان ملك بيت المقدس حينذاك بلدوين الثاني، فقدَّم للجمعية جناحًا من قصرِه الواقع بالقُرب من منطقة معبد سُليمان؛ لتقيم فيه، ولهذا سُمِّيت بفرسان المعبد، وفي سنة 1128م صادَق مجلس المقدس على إنشاء الجمعيَّة، وكذلك صادق عليه البابا، وأصدرت لفُرسان المعبد وثيقة أقسموا فيها بالتزام الفاقَة والعِفَّة والطاعة شعارًا للجمعية.

كان فُرسان المعبد من جمعية “الأُخُوة الرهبانية للقديس تامبلر” الفَرَنسية، رايتهم بيضاء، عليها صليبٌ أحمر، أمَّا الواحد من فرسان المعبد، فكان يَلْبَس مِئزَرًا أبيضَ، على “حرملته” صليب أحمر.

صارت الجمعيةُ فيما بعد تقبَل في صفوفها بالأخص الفُرسان الخوارج والمُذنبين بعد تَوبتهم، فأصبحت الأراضي المقدَّسة أراضي لطلب الغُفران والتوبة من المعاصي، وهذا هو شعار الحروب الصليبية، وشعار الإصلاحيِّين بعد تجييشهم للمجتمع النَّصراني؛ مما حدا بالكثير من فرسان أوروبا بأنْ يُولُّوا وُجوهَهم قبل فلسطين، والرَّاعي المستقبِل هنالك كان “جَمعيةَ فُرسان المعبد”، ومن أهمِّ امتيازاتِهم الدينية أنَّ أعضاءَها لم يكونوا قابلين للنَّفي من الكنيسة، وأسبغ البابوات حمايتَهم على الجمعية، وسمح لها بأن تكون لها كنائسها الخاصَّة.

ولم يَمضِ على قيامها سوى القليل، حتى ذاعتْ مبادئُها، وانتشرت في سائر أنحاء أوروبا، حتى قيل: “إنَّ الفضلَ في بقاءِ مدينة القُدس   في يد الصليبيِّين،  واستمرار الحيويَّة في الجيوش الصليبيَّة  يَعود في الأساس إلى فرسان الإسبتارية  بجانب فُرسان المعبد”[2]، فقد كان في المملكة النَّصرانية الصليبية الناشئة الكثيرُ من أسباب الضَّعف، ولكنَّها كانت تتلقى معونةً فذَّة من نظامٍ من الرهبان الحربيِّين[3].

ووضع لهم القديس برنار نظامًا صارمًا، لم يطيعوه زمنًا طويلاً، وكان مما أثنى عليهم به أنَّهم “أكثرُ الناس علمًا بفنِّ الحرب”، وأمرهم “ألاَّ يغتسلوا إلا نادرًا”، وأن يقصوا شَعْر رُؤوسهم، وكتب برنار إلى فرسان المعبد يقول: “إنَّ على المسيحيِّ الذي يَقتُل غيرَ المؤمن في الحرب المقدَّسة أنْ يَثِقَ بما سينال من ثواب، وعليه أن يكون أشدَّ وثوقًا من هذا الثواب إذا قتل هو نفسه، وإن المسيحيَّ ليَبتهج بموت الكافر؛ لأنَّ المسيحَ يبتهج بهذا الموت”، ومن الواجب على الناس أن يقاتلوا وهم مرتاحو الضمير، إذا كانوا يُريدون النصر في الحروب.

ومع أن فرسانَ المعبد لم يكونوا يَزيدون على ثلاثِمائة، فقد كان لهم جميعًا شأن ظاهر في معارك الحروب الصليبيَّة، وذاعت شهرتُهم الحربية، وقاموا بحملة واسعة لجمع المال، فتوالت عليهم الإعانات من الكنيسة والدَّولة، ومن الأغنياء والفُقراء على السواء، فلم يَحل القرن الثالث عشر حتى ملكوا في أوروبا ضياعًا واسعة تشمل أديرة، وقرى، وبلدانًا أدهشت المسيحيِّين والمسلمين بما أنشؤوا من الحصون الواسعة في بلاد الشام؛ حيث كانوا يستمتعون بالتَّرف مُجتمعين وسط متاعب الحروب وكدحِها، مع أنَّهم قد نذروا أنفسَهم فرادى للفَقر[4].

ورئيس الهيئة في البداية يُسمى (سيد المعبد) أيَّامَ أنْ كان مَركزها في بيت المقدس، فلما سَقطتْ المملكة اللاتينية في أيدي المسلمين، ولجأت الجمعية إلى جزيرة قبرص سُمِّي (بالأستاذ الأعظم).

كانت الهيئةُ منذ بدايتها تنقسِم إلى مَراتب أربع هي:
1- الفرسان.
2- القساوسة.
3- الجاويشية والتابعون.
4- الخدم وأهل التَّرف.

قام فرسان المعبد بادئَ الأمر بطائفةٍ من الأعمال القيِّمة، وامتازوا بالإخلاص والبَسَالة القِتاليَّة في المعارك، ولكن ميثاقهم ألاَّ يقبلوا من المال غير الصَّدقات أدَّى إلى أن تَماطَرت عليهم الهبات الضَّخْمة من كلِّ حَدَبٍ وصوب، فكثُرت أموالهم، ونبذوا قسم الفاقة، وصارت لهم أساطيلُهم وأسلحتُهم وجيشهم ومخابراتُهم، بل أصبحوا كنيسة داخل الكنيسة، ودولة داخل الدَّولة، حتى إنَّهم وصلوا إلى حد أنْ كانوا يَعقدون التحالُفات والمعاهدات والهُدنة، ويُعلنون الحرب، دون الرُّجوع إلى الملك الصليبي للقُدس، بل ربَّما تحالفوا مع أمراء مُسلمين ضد نصارى مقابل المال، فأصبحوا على نظامِ الحشَّاشين[5] مُنظَّمة عسكرية مرتزقة، تقاتل لصالح مَن يَدْفَع لها[6].

ثم انتشروا في الأقطار الأوروبية، وغَدَوا قبل نِهَاية القرن الثاني عشر جمعيةً عظيمةَ الثراء، شديدةَ البأس، اقتطعت أملاكًا عظيمة في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا، وغدت المعارك الصليبية للفُرسان مصدرًا للجاه والثَّراء، وناهض زعماؤهم الملوكَ في الفخامة والسُّلطان والبذخ، حتَّى حار في ثرائهم العربُ والعَجَم، المسلمون والنَّصارى، واستمر سُلطانُهم ينمو، ويَتَوطَّد ما بقيتِ الفكرةُ الصليبيَّة قائمةً؛ لإنقاذ الأراضي المقدَّسة، واقترن تاريخ الجمعية بسير الحرب الصليبية التي كانت مبعثَ قيامها.

ولكنَّ الفرسان ما لبثوا حين شعروا بقوتِهم أن تحولوا من حماية ذويهم في الدِّين إلى سلبهم، ومن مُحالفة الصليبيِّين إلى نبذِهم، بل خيانتهم ومقاتلتِهم في مواقف، من ذاك ما ينسب إليهم من أنَّهم كانوا على تفاهُم مع حامية دمشق الإسلامية، حينما أخفق الإمبراطور كونراد الثالث في الاستيلاء على المدينة سنة 1148م، وأنَّهم في سنة 1145م باعوا إلى المسلمين أميرًا مسلمًا ارتَدَّ وتنصَّر بمبلغ ستين ألف دينار.

وفي سنة 1166م سلموا بطريق الخيانة حِصنًا إلى الملك نور الدين، فشَنَقَ آموري ملك بيت المقدس منهم اثني عشر، كذلك يُنسب إليهم أنَّهم كانوا على اتِّصال بالإسماعيليَّة في الشام، وشركاء لهم في تدبير عِدَّة من جرائم اغتيال، ذهب ضحيتها عددٌ من أمراء الإفرنج وكبار فرسانه،   ولما سقط بيت المقدس في يد المسلمين، لجأ الفُرسان إلى قلعة منيعة بَنَوها بالقُرب من عَكَّا،  وفي سنة 1218م اشتركوا مع الحملة الصليبية الخامسة في حصار دمياط، ثم اشتركوا بعد ذلك في مَوقعة المنصورة إلى جانب لويس التاسع، وقُتِلوا جميعًا ما عدا ثلاثة منهم, وهم الذين دفعوا الجزيةَ لتحرير لويس التاسع من الأَسْر.

انهيار تشكيل فرسان المعبد:
بعد فتح القدس عفا السُّلطان صلاح الدين عن أهلها، عدا الفرسان الحربيِّين، وخاصة فرسان المعبد، فأمر بذبْحِهم كالخراف، ومن نجا فَرَّ لقلعة بعكا، لكنَّ المسلمين أجلوا جميعَ النصارى من أراضيهم فيما بعد، فصار الفُرسان بلا دولة؛ لذا رجعوا لمواطنهم الأصلية، وكان غالبيتُهم من فرنسا، وهناك أعاد فرسان المعبد تنظيمَ صفوفهم بعد أن أخرجوا من كل آسيا، وإذ كانت لهم أملاك واسعة غنيَّة في جميع أنحاء أوروبا، فقد أخذوا يستمتعون بما تدرُّه عليهم هذه الأملاك، وإذ كانت أملاكهم مُعفاة من الضَّرائب، فقد كان في وُسعهم أن يقرضوا المال بفوائد أقل من التي يتقاضاها اللمبارد واليهود، وجمعوا بهذا ثروة طائلة، مع أنَّ الربا كانت تحرِّمه آنذاك الكنيسة الكاثوليكية، وتعدُّه من الكبائر، حتى احتكر اليهود العمليات الرِّبَوية، إلا أن الفرسان قضوا على هذا الاحتكار مع غيرهم من النصارى، فكان العامة يلقبونهم باليهود المسيحيِّين؛ لأنَّ الرِّبا لصيقٌ باليهود.

ومارسوا أعمالَ الصيرفة الدولية، من إقراضٍ للدُّول وتمويل للمعارك، والتجارة الدولية، وإدارة المزارع الإقطاعية الضَّخمة، فتحولوا إلى قوة اقتصادية هائلة، ونافسوا الملوك في التَّرف، وشكَّلوا مُجتمعهم المخملي، وبنوا منظومتهم الفكرية والاقتصادية والدينية، ونظموا نشاطاتهم الاجتماعية والثقافية.

“ولم يكونوا كفرسان الإسبتارية ينشئون المستشفيات والمدارس، أو يقدمون المعونة للفُقراء، فأثارت أموالُهم الطائلة المكنوزة، ودولتهم المسلحة في داخل الدَّولة، وعدم خضوعهم لسُلطان الملوك، أثارت هذه كلها حَسَدَ فيليب الرابع الجميل لهم، وخوفَه منهم وغضبه عليهم”[7].

وغدا الفرسان في أوروبا قوة سياسية يُحسَب حسابها، وغَدَوا للملوك أصدقاء ونُصحاء، وأملاكهم العظيمة في سائر بُلدان أوروبا من العقار والمال تَمدهم بسلطان عظيم، فبوسعهم أن يُموِّلوا دولةً بأكملها، بل أنْ يشتروها بمن عليها.

وفي أواخر القرن الثالث عشر ساءت سُمعتهم، ودارت حولهم الشائعات، وغدوا موضعًا للرِّيبة في نَظَرِ العامَّة، فضلاً عن رجال الدين، وحامت الشكوك على تنظيمهم والسرِّية المنوطة به، ونسبت إليهم فضائحُ وفظائع كثيرة، كالإدمان على الخمر، وهتك الأعراض، ومُقارفة الكبائر، وحامت شُبَه كثيرة حولَ مَبادئهم الدِّينية ومُعتقداتِهم السرية، حتى إنَّ البابا (كلمنضس) الخامس في سنة 1305م أمر أستاذَهم الأعظم – وهو يومئذ جاك دي مولاي – أنْ يُغادر قبرص؛ حيث كان يُعنى بتنظيم القوات الصليبية، فغادرها إلى فرنسا مع 60 فارسًا، وأموال كبيرة من الفضة والحلي جمعها الفرسان.

ثم أخذ البابا في تَحقيق ما اتُّهموا به من الارتداد عن النَّصرانية، واعتناق مبادئ وثنية، والإغراق في صنوف الكفر والكبائر.

ووقتئذ كان فيليب الجميل ملك فرنسا على وفاقٍ مع الفُرسان بادئ الأمر، ولكنَّ نفوذَ الفرسان كان قد عَظُم، واشتَدَّ بأسهم، وكثر ثراؤهم، والملك فيليب يرمي إلى استئثاره بسائر السُّلطات والنفوذ، ويرمق ثراء الفُرسان بعين الجشع، وتُحدثه نفسه بالاستيلاء على أملاكهم، من ثَمَّ لم يلبث أنِ انقلبَ عليهم وحاكمهم، فقبضَ في الثاني عشر من شهر أكتوبر عام 1310 على جميعِ مَن كان في فرنسا من فرسان المعبد، دون سابق إنذار لهم، ووضع الخاتم الملكي على جميعِ مُمتلكاتهم، وصادر أملاكَهم من أراضٍ وأموال، ثم زاد بعد ذلك سخطُه عليهم، وارتياعه لما أذيع عن مبادئهم ومَقاصدهم السرِّية والتهم الشنيعة، فسبق البابا إلى مطاردتهم ومُحاكمتهم، وقبض على جميع فرسان المعبد الفرنسيين في أكتوبر سنة 1307م[8]، ووجه إليهم المحقِّق العام التهمَ الآتية:
1- أنَّ رسوم الالتحاق بجمعيتهم تقترن بإهانة الصَّليب بالبصق عليه، وإنكار ألوهية المسيح، وأعمال فجور شنيعة.
2- أنَّهم يعبدون صنمًا، يقال: إنَّه صورة الإله الحقيقي.
3- أنَّهم يغفلون ألفاظ التقديس حين لقاء القُدَّاس.
4- أنَّ زعماءَهم يزاولون حقَّ منع الغفران، مع أنَّهم ليسوا من رجال الدين.
5- أنَّهم يبيحون ارتكابَ الفجور الشائن.

كانت اجتماعاتهم الليلية مبعثَ الشكوك وتَوالي التُّهم، فتُروى عن الرُّسوم التي يُجريها الفُرسان خلالَها قصصٌ عجيبة، فجلسات قَبُول الأعضاء الليلية تُجرى فجرًا في تكتم تام، ويُمنع تسريبُ ما فيها، وهذا مَبعث للرِّيبة والشائعات، فقيل: إنَّهم يُخضعون الحضور لأعمال منافية للحياء، ويُبيحون ارتكابَ أعمالٍ فظيعة فاحشة ضِدَّ النساء.

والشيطان يَمثُل عندهم في صورة امرأة، فيُحضِرون النساءَ، ويرتكبُ الفرسان معهن الفجور، إلى غير ذلك من الرِّوايات الشائنة.

اعترف بهذه التُّهم الكثيرُ من الفرسان، ومنهم الأستاذ الأعظم جاك دي مولاي نفسه، وقرَّر بعضُهم أنَّهم عند التحاقهم بالجمعية يقدَّم إليهم صليبٌ نصب عليه تِمثال المسيح، ويُسألون: هل يعتقدون في ألوهيته، فإذا أجابوا: نعم، قيل لهم: إنَّهم على ضلال؛ لأن المسيح ليس إلهًا، بل هو نبي زائف.

وقرَّر آخرون أنَّه قُدِّم إليهم صنمٌ أو رأسٌ مُلتحية ليعبدوه، وآخرون كانوا يُؤمرون بالبَصق على الصليب، وكثيرون منهم أُمِروا بارتكاب صنوف شائنة من الفُجور، وأنذروا بالسجن والعذاب إذا رفضوا امتثال الأوامر.

فقَرَّر البابا (كليمنضس) الخامس – رغم احتجاجه على تصرُّف فيليب الجميل – أنَّه تحقيقٌ مستقلٌّ، بِذَريعة أنَّ تَحقيقات المحقِّق العام الفرنسي كانت تحت التَّعذيب، فاستمع المحقِّق لعددٍ كبير من الفرسان بحضور البابا نفسِه، واستجوب الأستاذ الأعظم جاك دي مولاي، ودعا جمعية فرسان المعبد أمام لجنة من الكرادلة، فأقروا بما نُسِب إليهم من إنكار المسيح وإهانة الصليب.

وأقروا بما أعلنه المحقق الفرنسي العام من ارتكابهم لطائفة من الرَّذائل الممقوتة، ومع ذلك لم يقتنع البابا بإجرام الفُرسان بصفة عامَّة، وقرر أنْ يعيِّن لجنة بابوية للتحقيق في باريس، استأنفت التحقيقَ في نوفمبر سنه   1309م، واستُدْعِيَ الأستاذُ الأعظم ونحو مائتي فارس، وسار التحقيقُ ببطءٍ على يد جماعة من كبار الأحبار والأساقفة، فعدل بعضُ الفرسان ومنهم الأستاذ الأعظم عن اعترافاتِهم، وأقر بعضُ الفرسان صحةَ التُّهم الشنيعة التي نسبت إليهم، وكانت هنالك تحقيقات أخرى مع الفرسان في مدن إيطالية أخرى، انتهت بأنْ أصدرَ البابا (كليمنضس) الخامس قرارًا أشار فيه إلى (جرائم الكفر الشنيع)، التي يرتكبها الفرسان، وأمر بالقَبْضِ عليهم أينما كانوا.

استمرت مُحاكمات الفُرسان بضعة أعوام، هلك خلالها الكثير أثناء التعذيب، خاصَّة في مَملكة فرنسا، فقد “حوكم السُّجناء أمامَ مَحكمة من المطارنة والرُّهبان الموالين للملك، فأنكروا التُّهم الموجهة إليهم، وعُذِّبوا لكي يَعترفوا، فمنهم من علقوا من معاصِمِهم، وكانوا يرفعون وينزلون فَجأةً، ومنهم من وُضِعَت أقدامهم عارية أمام النِّيران، ومنهم من دُقّت شظايا حادَّة بين أظافر أيديهم، ومنهم من كانت تقتلع لهم سِنٌّ كل يوم، ومنهم من علقت أوزانٌ ثقيلة في أعضائهم التناسلية، ومنهم من ماتوا موتًا بطيئًا من الجوع، وكانت جميعُ وسائل التعذيب السَّالفة الذكر تستخدم مع أولئك الفُرسان في كثير من الحالات، فكانت النَّتيجة أنَّ الكثيرين منهم حين جيء بهم؛ ليعادَ استجوابهم كانوا ضعافًا موشكين على الموت، وأظهر واحدٌ منهم العظام التي سقطت من قدميه المحروقَتَين، واعترف الكثيرون منهم بجميع التُّهم التي وجَّهها لهم الملك…”[9]، وأُحْرِقَ الأستاذُ الأعظم جاك دي مولاي عَلَنًا على ضفة نَهر السين في مارس سنة 1314م.

وفي وقتها قبض إدوارد الثاني ملك إنجلترا على جميعِ الفرسان في إنجلترا، وحَقَّق معهم بعد ضغط من ملك فرنسا فيليب، فاعترف بعضهم بما تقدَّم من التُّهم، وشهد عليهم آخرون بصحة التهم.

ولما فضح فرسان المعبد على هذا النَّحو، سخطت عليهم كلُّ الهيئات الدينية في جميع الدول، والعامَّة والخاصَّة، من فلاسفة ومفكرين ومشاهير وأمراء ونبلاء أوروبا.

إلاَّ أن هنالك بعض المؤرخين ممن نفى عن الفُرسان هذه التهم، ونسبوا إلى فيليب الجميل الطمعَ في أموالهم وأملاكهم الشاسعة في مملكته، كمُعاصرهم الشاعر الكبير دانتي الجييري، وفي العصر الحديث المؤرخ الإيطالي فيالاني، ومن مؤرخي فرنسا مينيه وجيزو ورينان.

حقيقة تنظيم فرسان المعبد:
مهما تكن الحقيقةُ، فالمؤكد أنَّ الفرسان وصلوا في ذلك العهد إلى حدٍّ مزعج من الجاه والسُّلطان والغِنَى، وبلغ من خروجهم على السُّلطة الملكية أنَّهم كانوا يأبون دَفْع الضرائب، وفيليب الجميل كملك خَشِيَ تفاقُم خطرِهم على سُلطته الملكية، كما أنَّ دعوة الفرسان غدت في كثير من الأحوال خطرًا على النظم الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية أيضًا.

فهم تغلغلوا في جميعِ النَّواحي والشؤون، ونظموا لهم فروعًا قوية في جميع البُلدان، وأحرزوا الأملاك الضَّخمة، وباشروا كثيرًا من الإجراءات المالية التي تقوم بها البنوك العالمية اليوم، كإصدار السندات وتَحويل الأموال الضَّخمة، ودفع الأرباح عن الودائع، وإدارة الحسابات الخاصَّة، وتقديم القروض لدول بعينها، وكانوا فوق ذاك عضدًا قويًّا للسادة والأحبار، يفرضون لهم الضَّرائب على اقتطاعاتِهم، ويقومون بتحصيلها، “وقد كُسر احتكار أعضاء الجماعات اليهودية للرِّبا مع ظهور جماعات من المُرابين المسيحيين مثل جماعات فرسان المعبد الألمانية، واللومبارد في إيطاليا، والكوهارسين في فرنسا، ويبدو أن الكنيسة الكاثوليكية ذاتَها كانت مُتورطة في عمليات الإقراض بالرِّبا، وكانت تلتف حول التحريم الذي أصدرته…”[10].

وتضارُب شهادة أعضاء المنظمة والشُّهود من خارجها يَدُل على اختلاف مَراتِبهم، واختلاف المعلومات المقدمة  للأتباع، فمن أنكرَ حَكَمَ بما رأى، ومن أثبتَ أثبَتَ ما أمر به.

كما أنَّ سرية مُعتقداتهم كشفها الزَّمن، فبعض ما سُرب عن الماسونية – وهي من صناعتهم – مُطابق بالتمام لما اتُّهموا به، فشعائرهم من البَصق على الصليب و إهانته، و إهانة أُمِه (مريم ابنة عمران)، والزنا واللِّواط، قد جاهر بها أتباعُهم في القرن العشرين، وبالمواصفات التي ذكرتها مُذكرة الاتهام الفرنسية، من قولهم: إنَّ الشيطان يأتي في صورة امرأة، وكفرهم بالمسيح ربًّا ونبيًّا، واستهزائهم بالإنجيل، بل الأديان كلها… ومن المعلوم بالتحقيقات التاريخية أنَّ عَبَدة الشيطان فكرهم يُقارب فكر الماسونيِّين في نظرية الخلق والأُلوهية والموقف من الأديان والأخلاق… والماسونية في طَوْرِها الثاني هي إصدارٌ أخير لمنظمة فرسان الهيكل، فالتُّهمة ثابتة عليهم الآن ولا تزول بالتقادم.

غَيْرَ أنَّ السرية المُحكمة، وتوزيع المراتب بين الأعضاء آنَذاك أوجبَ تعدُّد المهام، ومِنْ ثَمَّ اختلاف المعلومات والأوامر بين الطَّبقات العُليا والدُّنيا، فينتج التضارُب بين الشهادات، والأيام كانت كفيلةً بفَضْحِ المستور؛ إذ المنظمات السرية سرية في المجتمعات التي تعاندُها أو تضطهدها، لكنَّها لن تكون سرية في مُحيطها، ولازم الأمر لن تكون سرية في مجتمع يتقبَّل أفكارَها، وهذا ما حصل بعد انتشار أفكارِها في قوالب براقة.

فالتعاليم السرية تغلف بما يَجعلها جذَّابة المظهر، مَجهولة الأصل، فإنْ شاعَت عسر اجتثاثها، بل ستقلب منطقَ العقل الأول إلى: أخرجوا آلَ الرجعية من مُجتمعاتكم، التهمة: إنَّهم قوم يتطهرون.

يقول المستشرق لوازلير في كتابه “تعاليم[11] عن تعاليم الفرسان”: “إذا نَحن رجعنا إلى تعاليم جمعية المعبد، كما وصلت إلينا، لم نَجد أبدًا ما يُؤيد التُّهمَ الغريبة الشنيعة التي أذيعت في التَّحقيق، ولكن ألَم يكن للجمعيَّة خلافَ التعاليم العامَّة تعاليمُ أخرى؟ سواء مكتوبة أم شفوية، تُخوِّل أو تفرض ارتكابَ هذه الأفعال؛ أعني: تعاليمَ سرية لا تكشف إلاَّ للخاصة الأعضاءِ…”.

وموضوعُ تعاليمِ الفرسان السرية موضوعُ خلافٍ كبير، فيَرى البعضُ أنَّها اشتقت من نظريَّات (الملحدين المسلمين)، وأنَّ فارسًا يُدعى جيوم دي مونبار تلقَّى مذهبَ الإسماعيلية على يد شيخ الجبل في مغارة في لبنان، حينما كان مركزُ الفرسان في فلسطين.

يقول المؤرِّخ وول ديورانت: “… أيَّد الفاطميُّون[12] سُلطانَهم بِجَمع طائفة الإسماعيلية في جماعة كبرى ذات مراسم وطقوس ودرجات مُتفاوتة، واستخدموا أعضاءَها في التجسُّس والدَّسائس السياسية، وانتقلت طقوسُ هذه الجماعة إلى بيت المقدس وأوروبا، وكان لها أكبر الأثر في أنظمةِ فرسان المعبد، والشيعة المستنيرة Illuminate[13]  ، وغيرها من الجماعات السِّرية التي قامت في العالم الغربي، كما كان لها أكبر الأثر أيضًا في طقوسها وملابسها…”.

وأشار المستشرق فون هامار إلى الشبه القائم بين تعاليم الإسماعيلية والفرسان، كما أوضحه كلافل – مؤرخ البناء الحر “الماسونية” – في قوله: “.. دَرَيْنا – نحن المؤرخين الشرقيين – في عصور مُختلفة أنَّ جمعيةَ فرسان المعبد كانت ذات علاقة وثيقة بالإسماعيلية، إنَّهما اختارتا اللَّونين الأحمرَ والأبيضَ نَفْسَيهما شِعارًا لهما، واتبعتا النظامَ نفسَه، والمراتب نفسَها، فكانت مراتبُ الفدائيِّين والرِّفاق والدُّعاة تقابلُ المراتبَ نَفْسَها في الناحية الأخرى، وهي: “المبتدئ، والمنتهي، والفارس”[14]… وكلتاهما تآمرت لهدم الدِّين الذي تظاهرت باعتناقِه أمامَ العامَّة… وأخيرًا كلتاهما كانت تَملك الحصونَ العديدة، الإسماعيلية في آسيا، والفرسان في أوروبا…”.

والدكتور الخطيب يربط بين أساليب الدعوة والحِيَل للحشاشين، وبين أساليب ومراحل التدرُّج عند الماسونية في عصرنا الحاضر، فيقولُ: والمُطَّلِع على أساليبِ الماسونية في العصر الحاضِر، وطرق الدُّخول فيها، والتكريس الذي تُمارسه للدُّخول في مَحافلها – يستطيع أنْ يقارن بين أساليب الباطنية عمومًا وبالأخص الإسماعيلية، وأساليب التكريس الماسوني؛ بحيثُ لا نبتعد عن الحقيقة إذا قلنا: إنَّ هناك خيطًا رفيعًا يجمع بين الباطنية والماسونية[15].

ولطُرقِهم السرية حِيَل في الدَّعوة تقترب من حِيَلِ الباطنية الشيعة، “… وفي الاطِّلاع على هذه الحيل فوائدُ جَمَّة لجماهير الأمة… وهاك تفصيلَ حيلهم[16]:
1 – التفرس: يُميز الدَّاعي مَن يُمكن استدراجُه، وله القُدرة على الإقناع بأنَّ للنصوص ظاهرًا وباطنًا، وأن يأتي كل واحد بما يُوافق مزاجَه وعقله.
2 – التأنيس: يَجتهد الدَّاعي في التقرُّب من المدعو، والتنسُّك والتعبُّد أمامه، والتبشير بقُرب الفَرَج.
3 – التشكيك: يَجتهد الداعي في تغيير مُعتقد المدعو المستجيب بالأسئلة عن الحكمة من الشرائع، وغوامض المسائل، والمتشابه، وأسرار الأرقام في آي القرآن.
4 – التعليق: بِطَيِّ سِرِّ الشُّكوك المثارة، والإيهام بكِتمان حقيقَتِها عن الغير، فلا بد من عهود توثيق للمُريد؛ كيما يُطالع بها، ثم يُترَك معلَّقًا.
5 – الربط: بالأَيْمان المغلظة، والجهود المؤكدة[17]، (لدرجة الإرهاب الفكري)، فلا يجسر على المخالفة.
6 – التدليس: بالتدرُّج في بثِّ الأسرار – بعد الرَّبط – فيعرض عليه المذهب شيئًا فشيئًا، ويُوهم أن لهم أتباعًا كثيرين لا يُمكن إطْلاعه عليهم؛ كيما يستأنس، وقد يسمون له بعض المرموقين من أهل العلم أو السُّلطان، لكن في بلاد بعيدة لا يُمكنه مراجعتهم؛ لبُعدهم[18].
7 – التلبيس: بالاتِّفاق على بعضِ القواعد والمسلمات البديهية، ثم يستدرج إلى نتائج باطلة لا يعي بُطلانَها؛ لتسليمه القياد للدَّاعي.
8 – الخلع والسلخ: الخلع من المجتمع بإتباعِه أوامرَ العمل، أما السلخ فمنَ الدين بإتباعه لفلسفةِ المذهب.

وغالب ما ورد هنا مثله فيما ذكر من مخططات الماسونية، وغالب النوادي التابعة لها في الدعوة.

والماسونية ما هي إلاَّ تنظيم للفُرسان بعد أن تواروا عن الأنظار زمنًا، والراجح أن فرسان المعبد ارْتَدُّوا عن النصرانية، فنَفَوا ألوهيةَ المسيح ونبوته معًا، ولعلهم كانوا مانوية أو ثانوية[19]، ويعرف لوازلير بنظرِيَّاتِهم في الألوهية بقوله: “يعترف فرسانُ المعبد في الوقت نفسِه بإله للخير لا يصلُ البشر إليه، وليست له أشكال مادية ظاهرة، وإله للشر يُمثِّلونه بصنم، وهو الإله الأدنى، منظم العالم المادي وسيده، وخالق الخير والشر الذي هو الشرُّ نفسه في الخليقة…  “.

اختراق فرسان المعبد لمحفل البنائين الأحرار “الماسونيِّين”:
في عام 1312م اتَّخذ البابا الخطوة الحاسمة، فأصدرَ مجلسُ فيينا المقدَّس قرارًا بحلِّ جمعية فرسان المعبد، فشُردوا حيثما ثقفوا، ولاقوا في فرنسا أشنع ضروب الاضطهاد والتَّنكيل، وأُحرِقَ منهم أربعة وخمسون أحياء في عام 1310م، ومن نجا اختفى تحت الأرض في الدهاليز.

ونَجح بعضهم في الفرار من فرنسا مُلتجئين إلى سكوتلندا، وملكها روبرت بروس Robert Bruce” “الذي كان الوحيد في أوروبا النصرانية الخارج عن إمرة الفاتيكان، وهناك لملموا شتاتَهم المتبقي من الأتباع خفية، واستمروا سرًّا في نشاطهم… ثم تسلَّلوا إلى منظمة البنَّائين الأحرار “الماسونية”، وكانت من أقوى المحافل المدنيَّة في بريطانيا آنذاك، وسرعان ما سيطروا عليها تمامًا، ثم تغير هذا المحفل إلى “محفل الماسونية العالمية”.

فلم يختفِ فرسان المعبد، بل استمروا بنشاطهم وعقائدهم تحت سقف “المحفل الماسوني”.

بعدها بنى هؤلاء أول محفل ماسوني في العالم في إنجلترا عام 1717م، ثم شرعوا في نشر عقائدهم المرتبطة بالمصادر الصُّوفية الحلولية الباطنية اليهودية السحرية الوثنية “القابالاه”، وشركاؤهم في الإثم الكنيسة البروتستانتية.

ويعترف ماسونيُّو تركيا بالعلاقة بين فرسان المعبد والماسونية، ففي مقالة ظهرت في مجلة “الماسونيين الأتراك”، واسمها معمار سنان “Mimar Sinan” العدد 77 عام 1990 صفحة 78 – 81، بقلم “أندر آركون” Ender Arkun تحت عنوان: “نظرة سريعة إلى جهود الماسونيِّين في التطوُّر الفكري: “… إن الماسونيين اليومَ بعقائدهم وفلسفتهم امتدادٌ لفرسان المعبد… لفلسفة وعقائد فرسان المعبد، وعلاقتهم بعقيدة الكابالا…”.

وقام بريطانيَّان ماسونيَّان هما “كرستوفر نايت” Christopher Knight، و”روبرت لوماس Robert Lomas “ببحثٍ طويلٍ عن جُذور الماسونية نشراه في كتاب “مفتاح حيرام[20]” The Hiram Key، وهما يتَّفقان على أن أصل الماسونية ومنشَأَها يرجع إلى فرسان المعبد.

علاقة الماسونية بالبروتستانتية:
البروتستانت حركة إصلاحية للنصرانية، مضادة للعقائد الكاثوليكية، إلاَّ أن ما يجمعها مع الماسونية – وبالتحديد فرسان المعبد – هو كون هذه الكنيسة[21]:
• مسؤولة عن نشر الأدب العبري في أوروبا، ومِنْ ثَمَّ تقريب العقائد اليهودية، بعد أن كان اليهود وكل ما له صلة بهم منبوذًا.

يقول الأستاذ أحمد السحمراني: “… والعامل الحاسم في نشأة الماسونية هو نشر الأدبيَّات العبرية في أوروبا؛ حيثُ قامت الكنيسة البروتستانتية بعمل هذه الأدبيات العبرية، وفي رحم البروتستانتية نشأ عددٌ من الشيع، أولها الماسونية؛ لهذا نجد أنَّ الماسونية والبروتستانتية تشتركان في مواجهة الكنيسة الكاثوليكية”[22].

• البروتستانت مصدرُهم الرئيس العهد القديم “التوراة وملحقاته”؛ لذا ترى تقاربهم العجيب والمريب – لغير المختصِّين – مع اليهود والصهيونيِّين والماسونيين، أمَّا الكاثوليك فمصدرهم العهد الجديد “الإنجيل”.

• الكنيسة البروتستانتية ثورة ضد الكنيسة الكاثوليكية، والماسونية كذلك، والثأر لإحراق فرسان المعبد داعٍ للإطاحة بها، بل أطاح البروتستانت بكل ما له صلة بالبابا، وبالكثير من الأصول العقدية الكاثوليكية، كوساطة البابا، وحق الاعتراف للكاهن بالخطايا، وسلطة الحرمان البابوي.

• من المعلوم من التاريخ بالضرورة أن الماسونيِّين “فرسان المعبد” هم من العقول المدبرة للثورة الفرنسية، ورأس الحربة في الإطاحة بالنظم الملكية والكنسية في أوروبا، بل والاجتماعية والاقتصادية، وليس صدفة – إن وجدت الصدفة أصلاً – أن يسقطوا النظام الذي أبادهم وشرَّدهم، وصادر أموالَهم، وهو النِّظام الملكي الفرنسي، ثم توجَّهوا نحو الذي أصدر القرار بملاحقتهم “بابا الفاتيكان” للحدِّ من سُلطته البابوية الروحية والسياسية.

• نشأت الولايات المتحدة الأمريكية من المهاجرين البروتستانت، لكنَّها كانت محضنًا مثاليًّا لليهود وللماسون، وجمهور البروتستانت الآن طائفة مسيحية مُتصهيِنَة.

• كان المهاجرون البروتستانت الأوائل إلى أمريكا يُؤدُّون صلواتِهم باللغة العبرية، ويطلقون على أبنائهم وبناتهم أسماء أنبياء وأبناء وبنات بني إسرائيل الوارد ذكرُهم في التوراة، كما قاموا بفرضِ تعليم اللغة العبرية في مدارسهم؛ حيث شبهوا خروجهم من أوروبا إلى أمريكا بخروجِ اليهود أيام موسى – عليه السَّلام – من مصر إلى فلسطين؛ حيث نظروا إلى أمريكا على أنَّها (بلاد كنعان الجديدة)؛ أي: فلسطين، ونظروا أيضًا إلى الهنود الحمر وهم سُكان أمريكا الأصليُّون على أنَّهم الكنعانيون العرب، وهم سكان فلسطين الأصليون.

• عندما أسَّس البروتستانت جامعة (هارفارد) عام 1636م كانت اللُّغة العبرية هي اللغة الرَّسمية للدِّراسة في الجامعة، وفي عام 1642م نوقشت أول رسالة دكتوراه في جامعة (هارفارد) بعنوان (اللغة العبرية هي اللغة الأم).

• وقد كان انتشار الماسونية غالبًا في البلاد البروتستانتية؛ لأن البروتستانتية شكل من أشكال عَلْمَنة (المسيحية الكاثوليكية)، كما أنَّ معدلات العلمانية مرتفعة في المجتمعات البروتستانتية.

فقد انتشرت الماسونية بسرعة في الجزر البريطانية؛ بسبب عدم وجود كنيسة مسيطرة على جوانب الحياة، وبسبب انخراط الطبقة الحاكمة في صفوفها الماسونية.

ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة وأستراليا وكندا ومصر وفلسطين والهند وغيرها من المستعمرات أو المحميات الإنجليزية.

و احتفظت الحركة الماسونية بطابع هادئ مُهادن داخلَ التشكيل البروتستانتي[23].

• يُعَدُّ الماسونيُّون روادَ دعوة حرية الأديان، والعقل المفكر لوحدة الأديان، وإله الماسونيين ليس هو إله موسى وعيسى ومُحمد، بل هو مهندس الكون الأكبر، ولك أنتَ تحديد من ينطبق عليه هذا الوصف… وأكبر راعٍ لهذا المشروع الكنيسةُ البروتستانتية[24].

والوحدة هنا هي العدم؛ أي: إنَّ توحيد الأديان سيقتضي إلغاءَ التَّضاد القائم بينها، وإنشاء دين جامع لها كلها، والجمع لا يكون إلاَّ بين المشترك والمتناسق؛ كيما لا ينهار، ويستمر، ثم يتكامل لينتج.

مِنْ ثَمَّ كم هو القدر المشترك بين أديان الأرض؟ صفر؛ أي: لا دين، يُصبح الإنسان هو “المشرع” الإله… اللاَّدين هو مشترك الأديان بعد انهيارها؛ لأنَّها لا تَملك نسقًا يُوحِّدها؛ لتناقضها فيما بينها إن جمعت، اللاَّدين: العَلمانية، أو العقيدة الرُّبوبية: الاعتقاد بوجود خالق، وكلٌّ حر في تعريف هذا الرب بما يرى، ويعبده كيفما يشاء، الخلاصة تعريف الرب: هو مهندس هذا الكون، ولك أن تحدد من هو، ولا تثريبَ عليك؛ لأنَّ الماسونية تضمن لك الحرية المطلقة، الأُخُوَّة الإنسانية لا الدينية، والمساواة بين كل الأديان، النِّهاية الإنسان هو إله[25]!

ودعوة وحدة الأديان نشأتها باطنية مَحضة بتصورات شمولية؛ “… حيثُ حاولت الحركة الباطنية تشكيلَ بنية الفِكر الباطني في صورة مَذهب جامع شامل، يقوم على الجمع والتلفيق بين عقائدَ شتَّى، متنوعة ومتباينة في أصولها ومصادرها؛ بحيث تَجد هوى في نفوس جماعات مختلفة في العنصر والدين من مزدكيين ومانويين وصابئة ويهود ومسيحيِّين ومسلمين”[26]، وهنا تحشر الأفكار والمعتقدات، ويجتمع الكل على ما توافقوا عليه، ويعذر بعضهم البعض على ما اختلفوا عليه، فتحسبهم جميعًا، وقلوبُهم شتى، “وهي قاعدة فكرية مركبة، من شأنها أن تستهويَ أناسًا من مشارب شتى، باعتبارها تبشر بحرية الفكر والعقيدة، وتدعو إلى ديانة أُمَمية تزول فيها الفوارق، ودواعي الاختلاف…”[27]، والروح الفكرية للأخوة الإنسانية تقتضي القَبول بالآخر بما له وما عليه، وفي النهاية الجميع في خدمة الإنسان.

“وينبغي لإخواننا – أيَّدهم الله – أن لا يعادوا عِلمًا من العلوم، أو يهجوا كتابًا من الكتب، ولا يتعصَّبوا لمذهب من المذاهب؛ لأنَّ رأيَنا ومذهبَنا يستغرق المذاهب كلها، ويجمع العلوم جميعها”[28].

جذور عقائد هؤلاء الفرسان:
يقول كاتبا مفتاح حيرام: “ليس هناك من دليل على أنَّ فرسان المعبد كانوا يقومون بحماية الحجاج المسيحيِّين، ولكنَّنا نملك أدلة قوية على قيامهم بحفريات كثيرة قرب خرائب معبد هيرود[29]”… وهو المعبد الذي شيد، كإعادة لمعبد سليمان وفي المكان نفسه.

ويقول المؤرخ الفرنسي “غيتان لافروج Gaetam De Laforge” بأن الغاية الرئيسة لفرسان المعبد كانت العثورَ على الكتابات والآثار التي تشرحُ بقايا العادات والتقاليد السرية اليهودية والمصرية القديمة.

ويُبيِّن كتاب “مفتاح حيرام” أن البحوث والحفريات التي قام بها فرسان المعبد قرب خرائب معبد سليمان لم تذهب هباءً، بل حصلوا على ما غيَّر نظرتَهم للحياة، لقد توصلوا إلى “كابالاCabala[30] من فروع الباطنية الصوفية الحلولية اليهودية السرية، وتبنَّوْها، فانحرفوا عن عقيدتهم النصرانية.

وإلى هذا يشير الماسوني التركي “مراد أوزكن آيفر”Murat Ozgan Ayfer في كتابه:
“ما الماسونية؟”، فيقول: “لا أحدَ يدري على التحقيق كيف ومتى ولد “كابالا”، ولكن المعلوم هو أنَّه مرتبط بالدين اليهودي، ويَحمل صيغةً ميتافيزيقية وتعاليم باطنية، ومع أنه يُذكَر وكأنَّه باطني يهودي، إلا أنَّ معظم تعاليمه قديمة، وكانت موجودةً قبل ظهور التوراة”[31].

أمَّا المؤرخ اليهودي ثيودور رينخ Theodur Reinach،  فيصف كابالا بأنه السمُّ السري الذي دخل إلى عروق الدين اليهودي.
والمؤرخ اليهودي “شلمون رينخ” Salomon Ranch  يصف كابالا بأنَّه أسوأ انحراف للعقل الإنساني.

فما الكابالا[32]؟
الاسم مُشتق من كلمة عبرية، تفيد معنى التواتر، أو القَبول، أو التقبُّل، أو ما تلقاه المرء عن السلف؛ أي: التقاليد والتُّراث أو التقليد المتوارث.

وكان يُقصَد بالكلمة أصلاً تراثُ اليهودية الشفوي، المتناقل فيما يُعرَف باسم الشريعة الشفوية، ثم أصبحت الكلمة تعني – من أواخر القرن الثاني عشر -: أشكال التصوف والعلم الحاخامي المتطورة، إلى جانب مدلولها الأكثر عمومًا باعتبارها دالة على سائر المذاهب اليهودية الباطنية منذ بداية العصر المسيحي، وقد أطلق العارفون بأسرارِ القبالاه – مقوباليم بالعبرية، والقباليون بالعربية – على أنفسِهم لقب “العارفون بالفيض الرباني”[33]  .

فالتراث الصوفي اليهودي يعرف باسم القبالاه، وقد مرت بمراحل عديدة، أهمها قبالاة الزوهار، وتُسمَّى أيضًا القبالاه النبوية، والقبالاه اللوريانية، التي يُمكن أن تُسمَّى (القبالاه المشيحانية).

وهي ذات طابع حلولي قوي، تراكمت داخله عقائد مختلفة، ابتداءً من العهد القديم، مرورًا بالشريعة الشفوية، وقد انعكست هذه الحلولية من خلال شيوع أفكار، مثل: الشعب المختار، وأمَّة الروح، والأرض المقدَّسة.

و(القابالاه) هي واحدة من أعقد الفلسفات الدينية، فهي تتعمَّق برموز غامضة وباطنية في (ماهية) الله والكون، وهي معقدة جدًّا؛ حيث طيلة قرون لم يسمح بها سوى لرجال اليهود المتدينين جدًّا، ممن يناهزون الأربعين، وكرَّسوا حياتَهم في الدين اليهودي، يسمح لهم بدراستها فقط.

جذور القابالاه:


الثابت أنَّ بني إسرائيل خلال وجودهم في مصر تأثَّروا كثيرًا بالوثنية الفرعونية السائدة هنالك، وبعد خروجهم منها استرفدوا الكثير من المعطيات الوثنية لدى المصريين القدماء، مُحاولين بذلك إدخالها على دينهم اليهودي، الذي اختلطت به وثنيَّات وأساطير كثيرة، فقد عرفوا تقاليد الكابالا المصرية القديمة، ونقلوها من جيل إلى جيل، كتعاليم شفوية؛ لذا يتصفون بميلهم إلى الوثنية، جلبت من روافد ثقافات وثنية مختلفة المشارب، لا سِيَّما الثقافتان اللتان عاصرتاها: الثقافة الفرعونية المصرية القديمة، والثقافة البابلية[34]، وتعاليم (الكبالاه) نواة للنَّشاط السري الهدَّام الذي تَمرس عليه اليهود دائبين، متمثلاً في مختلف الجمعيات والمؤتمرات التي سعوا من خلالها إلى تحقيق آمالهم وأطماعهم، كما كان لتلك التعاليم تأثير مباشر في صياغة أفكار اليهود الصِّهيونيين، على الصورة الشائنة القائمة، والأسلوب الدموي الجامح الذي يُمارسه الصهيونيِّون الآن[35].

طائفة (القابالاه) في عصرنا:
في منتصف عام 2001م أعلن (دافيد كدوري) – نَجل الحاخام (يتسحاق كدوري)، كبير علماء القابالاه – عن تشكيل مجلس أعلى للحاخامات من كبار علماء القابالاه، من أهدافه:
1 – التأثير على وحدة حزب شاس، والدخول في تنافس مع مجلس حكماء التوراة.
2 – الانتقام لرفض حزب شاس زعامة الحاخام (يتسحاق كدوري)، ورفضه تسمية (يوسي كدوري) حفيد الحاخام كدوري عضوًا في الكنيست عن الحزب.
3 – رغبة عائلة الحاخام (كدوري) الاستئثار بزعامة علماء الكابالا، وجعل هذا المنصب وراثيًّا.

أهداف اليهود من القابالاه:
1 – الحفاظ على مبادئ اليهود العدوانية المتطرفة حيال الشُّعوب الأخرى، بإيجاد المناخ النفسي الملائم لتعيش فيه هذه المبادئ، وذلك بإشعال نار الحقد والتعصُّب العنصري في صدور اليهود بما تتضمنه من فنون الكيد والانتقام، التي تَحضُّهم عليها كشعائر دينية مقدسة.
2 – إشباع ثائرة اليهود العُدوانية، وشفاء غليلهم باستنزاف دماء أعدائهم، واستخدامها في الطقوس السحرية الدموية.
3 – يحس اليهود في ممارسة تعاليم الكابالا طمأنينة وراحة نفسية عميقة، ويستشعرون أنَّهم إنَّما يمارسون شعائر مقدسة تقربُهم من الله، وترفع عنهم ما حاق بهم من غضب إلهي منذ الحقب الخالية.

يقول الكاتب البريطاني “ناستاه وبستر”: “على الرغم من قيام تعاليم موسى؛ (أي: التوراة) بلعنة السحر، إلاَّ أن اليهود تجاهلوا هذا اللعن، وتورَّطوا في هذه التعاليم السحرية، وخلطوا تقاليدهم المقدسة بالأفكار والتعاليم السحرية التي اقتبسوها من الأمم الأخرى”.

وكانت فلسفة القابالاه قائمة على أساس أنَّ الكون تشكل بنفسه (صدفة)، وتطور تلقائيًّا بعوامل المصادفات العشوائية؛ أي نظرية: الفوضى الخلاقة، والتطور والارتقاء.

يقول مؤلفا كتاب “مفتاح حيرام”: “كان المصريون القدماء يؤمنون بأن المادة كانت موجودة منذ الأزل؛ حيث إنَّ الدنيا وجدت بولادة النِّظام من رحم الفوضى والعَماء والظَّلام، وهو ما كان يعتقده السومريون نفسه أيضًا… وكان لهذه الهاوية قوة داخلية، ثم أمرت هذه القوة الخالقة نفسها ببدء النظام… ولم تكن هذه القدرة السرية الموجودة داخل المادة في هذه الفوضى على وعي بذاتها، كانت هذه القوة احتمالاً من الاحتمالات، وقوة ظهرت من رحم الفوضى نتيجة مصادفات عمياء…”.

ويتابع مؤلفا كتاب “مفتاح حيرام” شرح هذه الفلسفة المصرية الوثنية كما يأتي: “… والغريب أن هذا التعريف للخلق يتطابق تمامًا مع النظرة الحالية للعلم الحديث، ولا سيما مع “نظرية الفوضى” من ناحية تطور الأنظمة المختلطة والمشوشة رياضيًّا، مكررة نفسها رياضيًّا ونتيجة للنظام”.

وعلى الرغم من أنَّ قصةَ الخلق الواردة في التوراة تختلف تمامًا عن هذه الفلسفة الوثنية، إلاَّ أنَّها مع ذلك سَرَت إلى الدين اليهودي؛ يقول السيد مراد أوزكن – وهو ماسوني تركي -: “إنَّ أهمَّ شيء في تعاليم “كابالا” الذي ظهر قبل التوراة بزمن طويل هو يتعلَّق بنشوء الكون، فهو على عكس الأديان المعترفة بالخلق مختلفًا عن قصة الخالق، فحسب نظرة الكابالا ولدت موجودات مادية ومَعنويَّة في بداية الخلق ما يُدعى بِـ”الدوائر”، أو “الأفلاك” أطلق عليها اسم سفيروت… ومجموعها 32 دائرة أو فلكًا، يعود عشرة منها إلى النظام الشمسي، والباقي إلى المجموعات النجمية الأخرى، ويتبين من هذا وجود علاقة قريبة بين هذا النظام العقائدي وبين علم الفلك القديم”.

والإله يتَّسم بسمات عديدة اشتقها القباليون من خلال قراءتِهم الغنوصية الدينية اليهودية السابقة، ومن خلال تجاربِهم الصوفية، فهو يشبه من بعض الوجوه الإلهَ الصانع في المنظومة الغنوصية، والطبيعة الطابعة في المنظومة الإسبينوزية[36].

وبينما حاول الحاخامات تفسيرَ ما يرد في العهد القديم من خلع التجسيم لصفات الإله بالمجاز، فإن القباليين أخذوا ما جاء في سفر التكوين (1/28) من أنَّ الإله قد خلق الإنسان على صورته حرفيًّا، ووضعوا معاني عدة للمفهوم، حتى قالوا بفكرة آدم “قدمون”؛ أي: الإنسان الأصلي، ومفادها أن جسم الإنسان يعكس في سماته بناء التجليات النورانية العشرة (سفيروت).

فمنهجهم في تفسير نصوص التوراة، بفرض المعنى الذي يريده المفسر القبالي من العهد القديم، فلا مجازية ولا حرفية.

وقد أصبحت القبالاه في نهاية الأمر ضربًا من الصوفية الحلولية، الرامية إلى مُحاولة معرفة الإله بهدف التأثير في الذات العلية، حتى تنفذ رغبات القبالي أو المتصوف، حتى يتسنَّى لصاحب هذه المعرفة السيطرة على العالم والتحكُّم فيه.

علاقة القابالاه بالسحر وعبدة الشيطان:


وترتبط القبالاه في وجهها العملي بعدد من العلوم السحرية، مثل: التنجيم، والسيمياء، والفراسة، وقراءة الكف، وعمل الأحجبة، وتحضير الأرواح.

ومع ابتعادها عن التقاليد الحاخامية الدِّراسية استوعبت عناصر كثيرة من التراث الشعبي، تُمثل الازدهار الأقصى للتفكير الأسطوري والحلولي في اليهودية[37].

ومعلوم على من تنَزَّل الشياطين، على كل أفَّاك أثيم، والسحرة لا يقتدرون على السحر دون قُربان إلى الشياطين، فتنشأ هنا عبادة الجان والشياطين وتتطوَّر معتقداتها، فما وجد سحر إلاَّ وتضمن عبادة الشيطان؛ لذا تسللت كثيرٌ من العقائد اليهودية إلى النصرانية، وذلك حينما انتشرت فكرةُ عبادة الشيطان في التراث اليهودي من خلال ثقافة “القابالاه”، ومن ثَمَّ عبرت عن طريقها إلى النصرانية من خلال بعض الأفكار الغنوصية التي صاحبت انتشار النصرانية في أوروبا، والتي ترى في العالم الجحيم المطلق، وهو عالم الشر، ولا يُمكن أنْ يَخلقه إله خير، وهم يعتبرون أنَّ كل القصص التي تتحدَّث عن الخلق في الديانات السماوية مغلوطة، ولَمَّا كانت النصرانية نفسها لا تنفي غلبة الشيطان على العالم الأرضي، أدَّى ذلك إلى تكريس فكرة عبادة الشياطين؛ اتِّقاءً لشرها المزعوم، والتي ترتكز على وجود عالمين: عالم الملكوت ويسيطر فيه إله الخير، وعالم الكهنوت ويسيطر فيه إله الشر وهو الشيطان.

كما يجدر بالملاحظة أن النصرانية دخلت أسيا وأوروبا الشرقية وعشائرها مُؤمنة بالسحر والشياطين، فاختلطت النصرانية هنالك بكثير من عقائد تلك الشعوب الوثنية، من إثبات تغلب الشياطين، ومشاركتهم في حكم العالم السُّفلي ومدافعتهم لإرادة الرب.

أمَّا في القرون الوُسطى، فظهرت في أوروبا عدة جماعات تتخذ من الشيطان إلهًا ومعبودًا، منها جماعة “فرسان الهيكل” أو “فرسان المعبد” التي نقلت القابالاه اليهودية معها، وانتشرت في فرنسا وإنجلترا والنمسا، ثم قامت الكنيسة بحرق مَجموعة من أتباعها، وهم القائلون: “إنَّ اللهَ ملك السماء، والشيطان ملك الأرض، وهما نِدَّان متساويان، ويتساجلان النصر والهزيمة، ويتفرد الشيطان بالنصر في العصر الحاضر”.

وظاهرة عبادة الشيطان كائنة في (القابالاه) المصرية الفرعَونية لكهنة الفرعون، ولها بعضُ الانتشار في الحضارة المصرية القديمة، وهي مبنية على الأسطورة الفرعونية “إيزيس وأوزوريس”، كُتبت حوالي عام 4000 ق.م، تقول الأسطورة: إنَّ أوزوريس هو ابن إله الأرض الذي ينحدرُ من سلالة إله الشمس رع، وقد أصبحَ أوزوريس ملكًا على مصر، وعلم شعبها كيف يزرع، وكيف يصنع الخبز والنبيذ، وتزوَّج أوزوريس من أخته إيزيس وتعاونا سويًّا لنشر الحضارة في البلاد.

وكان أوزوريس محبوبًا لدى شعبه، وأثار هذا الحب حقدَ أخيه “ست” الذي أخذ يُفكر في التخلُّص من أخيه والاستيلاء على عرشه، واستطاع سِت التخلص من أوزوريس.

وبعد طول عناء استطاعت إيزيس هذه الزوجة الوفية بمعونة بعض الآلهة وبسحرها – إعادةَ أوزوريس إلى الحياة الأبدية، وأصبح أوزوريس إلهًا بعد بعثه، وعاد مرة أخرى إلى الأرض؛ حيث قام بتعليم ابنه حورس ومساندته ضدَّ عمه ست، واستطاع حورس في النهاية التغلُّب على عمه والاستيلاء على عرش أبيه، وأصبح أوزوريس رمزًا لإله الخير، بينما أصبح ست أو “سيتان” رمزًا لإله الشر أو الشيطان، وانتشرت عبادة كلا الإلهين في الحضارة المصرية القديمة.
هذه العقيدة نقلها اليهودُ عبر مزجهم للقابالاه المصرية للسَّحرة بتفاسيرهم للتوراة، فألفوه “القابالاه اليهودية الشفوية”.

وأحد أغاني الفاجرة الفنانة[38] “مادونا” حال تشغيل الشريط من الخلف إلى الأمام تقول: “أيُّهَا الشيطان الأعظم”، فتمجيدُ الشيطان في اللاَّوعي هو من ألاعيب الماسونية، ومن أشهر أعضائها واحد من أعلام الموسيقا الكلاسيكية “وولف كانك مودزرت” الذي ألف للماسونية أوبرا النايات الساحرة، مستوحاة من أسطورة إيزيس وأوزوريس المصرية الوثنية، ومنها يشتقون أحدَ أهمِّ رموزهم “العين الأحادية”، كأنَّها عين المسيح الدجال، فهنا نلمس مدى تأثير فلسفة القابالاه الشيطانية على الفكر النصراني وفنه وثقافته، عبر الأذرع القوية للمنظمة الماسونية.

يقول ديفيد بيدكوك “زعيم الحزب الإسلامي البريطاني” عن الماسونية: “وفي الواقع حينما تحللها تجد أنَّها دين يعبد إلهًا، وهذا الإله ليس إله إبراهيم ويعقوب وإسحاق أو قبائل بني إسرائيل، بل هو (يهوه)، و(يهوه) هذا هو إبليس الشيطان”[39].

ومن مظاهر التأثُّر اليهودي بالموروث الفرعوني الكثيرُ من الرموز الفرعونية، والممارسات الماسونية التي ترمز لتلك الحقبة التاريخية، والتي تعج بها تلك المحافل السرية، فأولُ محفل ماسوني افتتح في مصر كان يحمل اسم “إيزيس” الإله الفرعوني.

يقول أستاذ التاريخ بجامعة غولدن “سميث جون شو” عن الرموز الماسونية: “أعتقد أنَّ للرموز جذورًا مُختلفة ومعقدة، ولها – أساسًا – أربعةُ مصادر، أحدُها: الكتاب المقدَّس، ولذلك ترتبط باليهودية؛ لأنَّ العهدَ القديم كتاب يهودي”.

وفي السنوات التالية تشكلت أعداد أخرى من الكنائس “الشيطانية”، تحت الرعاية العَلمانية، وشعارات الماسونية بحرية المعتقد، خاصَّة في الولايات المتحدة الأمريكية، واتَّخذت شعارات مضادة لعبارات الإنجيل، وجاهرت بالعقائد الوثنية ذات الجذور الماسونية، من معاداة النصرانية إلى الاستهزاء بالمسيح وأمه، وكل الشعائر الكنسية، ودَعَت إلى نشر الإباحية المزدكية المجوسية، من نكاح المحارم، حتى الذكران فيما بينهم، ومنع أتباعها من الزَّواج، كما ادَّعى المانويةُ الفرسُ.

وأجازوا القتل والتعذيب حتى للأطفال، ومَجَّدوا عمليات الانتحار، وأنكروا البعثَ والحساب والعقاب، وبجلوا الشيطان، وأقاموا له الكنائس، وابتدعوا له طقوسًا للعبادة والقربان، بل اخترعوا موسيقاهم الخاصَّة، وكتبهم المقدَّسة، ولهم نواديهم ومَحلاتهم، وأزياؤهم ومظاهرهم المميزة لهم عن غيرهم، ورموز وإشارات يتعارفون بها، لكأنِّي بهم بَعَثوا ببدعِ الخلق كلها من مَرقدها، ثم صاغوها في دستور واحد، ولكأنَّ الشر كله اجتمع عندهم حتى ضاق بهم، فبتروا آذانهم، وثقبوا أنوفهم، وغرزوا المسامير في جماجمهم، وأنبتوا أنيابًا من أسنانهم.

وقالوا: “طوبى للأقوياء سيدمرون العالم”، وشجعوا على ممارسة “الخطايا العشر” كالقتل والكذب والسرقة والاغتصاب…

ختام القول:
امتاز فرسانُ الهيكل أنَّهم أول من حَوَّل مُؤسسة دينية إلى تشكيل عسكري، ثم منظمة مُرتزقة محترفة، كما صاروا يُمثلون مدرسة النفاق والطَّعن في الكنيسة الكاثوليكية، فحَذَوا سير الباطنية بين المسلمين، فكانوا بلاءً على النصارى، مثل بلاء المسلمين بالباطنية الشيعة.

وكسر الفرسان لما عادوا لأوروبا احتكارَ اليهود لممارسة الرِّبا، حتى سموا بالمسيحيين اليهود؛ لأن المرابي كان يُدعى باليهودي، فقد حُفر في أذهان الناس الربا والبُخل واللؤم واليهود، متضايفات ذِكْرُ إحداها يُغني عن البقيَّة؛ لأنه يتضمنها.

والفرسان كانوا يَقتادون من ريع التَّحريض على الحرب الصليبية، والنحيب على القدس، فلا يطعمون إلاَّ من دماء المسلمين، وما دام فيه قدس وإسلام، فهنالك ريع للفرسان؛ لذا نراهم في حاضرنا على نَمط أسلافهم، أموالهم تتقاطر عليهم من الحروب، ومن البكاء على القدس تتماطر، ومن الحرب على الإسلام وأهله تتهاطل، فمصير فكرهم معلق بالقضية الفلسطينية إن حُلِّت انتهوا ولم تعُد لهم حاجة.

ولفرسان الهيكل آثارٌ على المجتمع النَّصراني الكنسي، شملت من أخلاقه وأعرافه وقيمه إلى اقتصاده وسياسته، فكانوا من أوائل المؤسسات الرِّبَوية المصرفية، وجاهدوا ليحدوا من سُلطان الكنيسة الرُّوحي والسياسي، حتى أحالوها جدرانًا بلا تابعين في أماكن عدة من العالم، وسعوا في نشر العلمانية (اللاَّدين)، وحرية الأديان والمعتقدات؛ كيما يُتاح لهم عرض معتقداتهم تحت حماية القانون، وقَبول المجتمع.

والرنين الذي صدع به دُعاة الديمقراطية والعَلْمَنة يخبو بكشف أصول نسلهم، فالثورة الفرنسية بشعاراتها “الحرية، الأخوة، المساواة” هي ثورة شعارات الماسون فرسان الهيكل؛ لهدم الأديان والنُّظُم الحاكمة، وهؤلاء لا دين لهم إلا عبادة الشيطان، فلو سايرت الأُمَّة هؤلاء الأدعياء، سيحل عليها ما نراه على أولئك القوم، من إعلان ألوهية الشيطان، وذبح الأطفال، وشرب الدِّماء، واستباحة الأعراض، فعلى العقلاء أنْ ينبهوا مَن بيدهم الحل والمنع؛ لئلا نغدو وبيننا قوم إبليس يُجاهروننا بالكفر.

والمتدبر يلاحظ التدرج الذي اتَّبعته المنظمات: من هيئات خيرية إلى جمعية داعمة، إلى منظمة طبية، إلى تشكيل عسكري، فتصبح وقد صار لها أمرٌ ونهي، وسيف ودرع، فأنَّى لأولي الأمر أن يَمنعوا عنها ما ردَّهم عنها من قبل، ألا فلْيتدبَّروا القول.

وفي الطرح رمتُ بيانَ أصل الماسونية، وتجلية مثيلاتها في أمَّتنا من الشيعة الباطنية، وقد صارت لهم دولة، بل الباطنية مدرستها في الحضانة، وعليها تعلمتِ الماسونية، فبدل رمي أطراف العيون إلى أعالي البحار، فلنبصرْ مَن هم دوننا، فهم إذا لاقونا قالوا: نحن معكم، وإن ولوا عَضُّوا علينا الأنامل من الغيظ… (الرد قرآني).

وفرسان الهيكل قاموا على هدم دينهم، إلا أنَّهم أظهروا خلاف ذلك؛ لذا زعم البعض أنَّهم يهود أو مؤامرة يهودية، وفي هذا نظرة تسطيحية، بل ساذجة، فيها نوع من استغفال القارئ، فكلما ارتد قومٌ عن دينهم مسحناها في اليهود، فنحول المجرمَ إلى ضحية، بل أحمقَ يستغفل ويستدرج! وبالله عليكم، إن كان اليهود غيروا كلَّ أديان الأرض، هذه العبقرية الساحرة ألاَ تستدعي الخوف منهم؟! ضربت عليهم الذِّلَّة أينما ثقفوا، هل الضلال لصيق بجنس اليهود وباقي البشر أبرياء، بل أغبياء؟!

فتأمَّل أساطين أهل البدع في الحضارة الإسلامية، غالبيتهم أعاجم، ورُؤوس الخوارج كلهم أعراب، فكلٌّ كان يدعو لما يهوى، وإلاَّ لِمَ سَرَت عقائد الإمامية في الفرس دون غيرهم؟ حتى عبدالله بن سبأ – أستوقف هنا فيه – فهو يهودي، صحيح؛ لكن يَمني، واليمن كان فيها سُلطان الفُرس وعقائدهم؛ لذا يدرس بفهم عقائد اليهود اليمنيِّين، ولم دعوته تسري في جنسٍ دون غيرهم لو لَم ترقَ لهم أصلاً، وتناسب مزاجهم وترسباتهم العقدية السابقة؟!

فَمكّن قواعد الدفاع ترسيخ العقيدة السلفية في قلوب الأحداث؛ لأنَّه الصيد السهل لهذه المنظمات، وعلى قواعد شيخ الإسلام ابن تيمية: لا تظهرُ البدع إلا حين تَخبو السنة، ولا تخبو السنة إلاَّ حين يسكت العُلماء، فللصَّامتين العارفين للحق دَوْر، وعليهم وزر، ولك أنْ تُنعمَ ناظريك، فأهلُ الباطل تَجد لهم هممًا وحراكًا عجيبًا، لا يكلُّون، ولا يملون، وعلينا يتَّحِدون، بينما أهل الحق ترى منهم تولِّيًا حالَ الزحف، بين مدع للتواضُع، ورام بثقل الدعوة على غيره، بالله عليكم كلٌّ بما ملك من علم يتصدَّق، وليس عليك هداهم، وما أجري إلاَّ على الله – تعالى – وما أريد إلا أن أنصح لكم.

وفي مقال غيره – إن شاء الله عزَّ وجلَّ – سنبسط البحثَ حول أصول الماسونية، وعلاقتها بالصهيونية، والنورانيين، والعلمانية، والربوبية، والواحدية، والباطنية الشيعية، وفي ثانٍ – إن شاء الله – سنوضح معنى فلسفة القابالاه، ومدى تأثيرها في التاريخ اليهودي والنصراني، وفي الماسونية وعبدة الشيطان، وفي ثالث – إن شاء الله – نخوض في ديانة عبدة الشيطان: تاريخها، معتقداتها، وامتداداتها في الأديان، وتجلياتها في أتباعها في عصرنا، ومدى خطورتها على المسلمين، وصفات وميزات مُرتاديها في أراضينا الإسلامية.

وبالله التوفيق، وعليه أتوكل، وما من حسنة، فمنه هو المجزل، وما من نقص فمني، ومن الوسواس، يخنس ولا يكل، أعاذني الله وجميع المسلمين منه.

والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــ
[1] ورد في بعض الكتابات من مسلمين أنَّ الفرسان تأثَّروا بمعتقدات المسلمين، ثُم يَذكُر المسلمين المُتأثر بهم: الباطنية والقرامطة والحشَّاشين، وهذا عجب يُذهبه معرفة السبب.
فالأصح أن يقال: تأثروا بالحضارة الإسلامية دولةً، أو بالمشرق أرضًا، وهنا يدخل الغثُّ والسمين، السُّنة والبِدْعة، وحتى المنظمات الهدَّامة؛ لأنَّها قامت في أراضيها وأيام سُلطانِها، وإن لم تنسَب لأصولها، لكنْ أنْ تنسَب عقائدُ الباطنية والقرامطة والحشاشين إلى الإسلام دينًا، فأعتذر، على الكاتب أنْ يراجع عقيدته، فأولئك بإجماع العلماء والعُقلاء – حتى السفهاء – من أكفرِ خلق الله قاطبةً، حتى إنَّ الوثنيِّين حاروا في كفرهم، فمَن كَفَر من البشر، كان كفرُه في الغالب في باب توحيد الألوهية أو الأسماء والصِّفات، أمَّا توحيدُ الربوبية فنادر، إلاَّ الباطنية والقرامطة والحشاشين، وهم مدرسةٌ فيما بعد للماسونية وعَبَدة الشيطان والباطنية الحلولية، والمذاهب الربوبية.
[2] وكان لهم الفضل في استعادة القدس بعد أن اعتدَوا على الحُجَّاج المسلمين، ونقضوا العهود، ثم قاموا بالهجوم على جيشِ صلاح الدين الأيوبي، فأفناهم في معركة حطين الخالدة، حتى لم يبقَ منهم إلاَّ شرذمة ستتكاثر فيما بعد لتُنْشِئ دولة، وكثير من المؤرخين الأوروبيِّين والمستشرقين يُحمِّلونَهم خسارة القُدس؛ لتعصُّبهم وتَهورهم باسم الدِّين، وقد علم من التاريخ أنَّهم إنَّما كان همهم أراضي المسلمين وثرواتِهم، وتعطشهم للدِّماء معلوم من مبادئهم.
[3] “قصة الحضارة: مملكة أورشليم اللاتينية”، وول ديورانت، ص 5301.
[4] “قصة الحضارة”، وول ديورانت، ج1، ص 86.
[5] هم طائفة إسماعيليَّة نزارية انتشروا بالشَّام، وبلاد فارس والشرق، ومن أبرز شخصياتِهم:
الحسن بن الصباح: وهو فارسي الأصل، وكان يدين بالولاء للإمام المستنصر، قام بالدَّعوة في بلاد فارس للإمام المستور، ثم استولى على قلعة آلموت، وأسَّس الدولة الإسماعيلية النزارية الشرقية، وهم الذين عرفوا بالحشاشين؛ لإفراطهم في تدخين الحشيش، وقد أرسلَ بعض رجاله إلى مصر لقتلِ الإمام الآمر بن المستعلي، فقتلوه مع والديه عام 525ه‍، توفي الحسن بن الصباح عام 1124م.
يعتبر الحشاشون أساتذةَ منظماتِ المرتزقة العالمية، ومصدر إلهام لأنظمةِ المخابرات لتشكيلِ فِرَق العملياتِ القذرة، امتاز الحشاشون بولائهم المطلق لشيخ الجبل؛ نظرًا للمَنهج المتَّبع في تدريبهم، والنِّظام الصارم والدَّقيق في تعليمهم، وحسن اختيار الأتباع، ففي القلعة كان يُربَّى العديد من أطفال الفلاحين الفُقراء؛ حيثُ يأخذهم حسن الصباح منذ طفولتهم المبكِّرة، ويُعلمهم لغات مُختلفة، كالعربية، واللاتينية، واليونانية، والفارسية، والتركية، والكردية… وغيرها، ويلقنون ثقافة الشعوب والتجمُّعات الكبرى، وأنظمتها وعاداتِها حضرها وبَدْوها، ويلقنون من صغرهم إلى رجولتهم الطاعة التامة لشيخ الجبل سيد القَلعة، ويوعدون بالمسرات، وأن الجنة بيد شيخ الجبل، فهو المسيطر على الآلهة… وأتباع شيخ الجبل يسمون الفدائية.
– “الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة”، (1/240).
– “مؤتمر الحركات الهدَّامة في التاريخ الإسلامي قديمًا وحديثًا”، كلية الآداب، جامعة الزقازيق، مج 1، ص10، 1990م.
[6] وكلمة الحشاشين: Assassin دخلت بأشكال مُختلفة في الاستخدام الأوروبي بمعنى القتل خلسة أو غدرًا، أو بمعنى القاتل المحترف المأجور.
[7] “قصة الحضارة”، وول ديورانت، ص 5336.
[8] سيرد الفرسان بعد زمن، ويطيحون بالنظام الملكي الفرنسي عن بَكْرة أبيه، ويُنكِّلون بالأمراء ومن يدعمهم، في ثورة سُمِّيت “فرنسية”، والثورة ثورة فرسان المعبد على أوروبا وتاريخها الديني والسياسي، شعارهم “اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر رجل دين”.
فشعار الثورة الفرنسية: الحرية، الأخوة، المساواة… بالطبع هي طبق الأصل شعارات الماسونية، كما أنَّ أحدَ أقطاب الماسونية – وهو نابليون بونابرت – سيقود حملةً عسكرية ضِدَّ الجناح الطبي العسكري للكنيسة الكاثوليكية “فرسان مالطا”، ويُجليهم من الجزيرة، ويحولهم إلى دولة افتراضية؛ انتقامًا للتنكيل بفرسان المعبد من الكنيسة، واسترجاعًا للثروات التي استحوذوا عليها من أملاك فرسان المعبد بعد قرار المصادرة.
[9] “قصة الحضارة”، وول ديورانت، ص5337.
[10] “موسوعة اليهود والنصارى”، عبدالوهاب المسيري، مج2، جزء6، ص(226، 227).
[11] مصطلح “تعاليم” من المصطلحات الإسماعيليَّة الباطنية، ويسمون بالفرق “التعليمية”، ويرمون بها إلى تقديس التعاليم، كالوحي؛ لأنَّها من الإمام المعصوم.
[12] والأصح وصفهم بالعبيديِّين، فلا أصلَ له بنسلِ فاطمة – رضي الله عنها – وهم من الشيعة الباطنية الكافرة، نكَّلوا بالسنة أيامَ احتلالِهم، وتَحالفوا مع الصليبيِّين النَّصارى على المسلمين… ولله في أيامه عبر، لما أقاموا دولتهم بإيران في القرن العشرين، تَحالفوا مع “الصليبيِّين”، ومن فَمِهِم نُحاكمهم، ونَكَّلُوا بالسنة في بلاد الرافدين، فلا نروي التاريخَ حكايات ما قبل النوم، بل لِيصحو أهلُ السنة من النوم، وليخرص دعاة التقريب بين السنة والشيعة.
[13] النورانيُّون أو حملة لواء الشيطان، من اليهود (القبالاه) عبد الشيطان، تأسسوا عام 1770م في بافاريا، ثم انضموا إلى الماسونية 1782م، وحَلَّ محفلهم الخاص بهم “محفل الشرق الأكبر” 1786، وهم يُمثِّلون أعلى مرتبة في المحفل الماسوني.
[14] مراتب الحشاشين:
المرتبة الأولى: مرتبة رئيس الدعوة أو داعي الدُّعاة، وكان أيضًا يُسمى نائب الإمام المستور في بلاد الشام سمي “شيخ الجبل”.
المرتبة الثانية: كبار الدُّعاة.
المرتبة الثالثة: الدُّعاة.
المرتبة الرابعة: الرفاق.
المرتبة الخامسة: الضراوية، أو الفدائية، وهم الفئة المسلحة في الدَّعوة، التي يشترط فيها التفاني والتضحية في خدمة الدَّعوة، حتى ولو أدَّى ذلك إلى الموت الذي اعتبروه أشرفَ نهاية؛ لأنه يضمن لهم السَّعادة في جنة الإمام.
المرتبة السادسة: اللاصقون.
المرتبة السابعة: المستجيبون وهم عامة الناس المؤيدون للدعوة.
– “الخلافة العباسية”، ص (2/189،190).
[15] “الحركات الباطنية في العالم الإسلامي”، الخطيب، ص 129.
[16] “فضائح الباطنية”، أبو حامد الغزالي، مع التصرف.
[17] ظاهرة الأيمان المغلظة تَجدها في كلِّ المنظمات والحركات السِّرية، حتَّى الإخوان المسلمين قارفوا مثلَ هذه الظاهرة التي تُنبِئُ عن عدم الثِّقَة في المحيط الذي هم فيه، وخطورة التدابير المرادُ تطبيقها، وإن رام أحدٌ الاستشهادَ بالدعوة السرية للنبي – صلى الله عليه وسلم – فأََتى له بنصِّ يَمين مغلظ – وإن ثبت تنازلاً معهم – فالدَّعوة كانت بين ظهراني الكفر، إلاَّ أنَّهم زعموا أن المجتمعات التي هم فيها كافرة، فمقام النقاش لا يَسع.
[18] وهذا صلب ما تفعله الماسونية؛ كيما توحي أنَّ رُوَّادها من أعلام العالَم وكبار عُلمائه وعظماء القادة، فلا تجد إلاَّ النَّزر ممن ذكروا أنه منهم وهو حي، بل ذاك مما ندر، ولا يُمكن مساجلتهم؛ لأنَّهم لا يسجلون أعضاءَهم إلا بعد موتِهم، وإن فعلوا فلا ضابط لذلك من أحد، ولك أن تتابع مشاهيرهم: لوي آرمسترونغ (عازف الجاز)، فريدريك بارثولدي (مصمم تمثال الحرية)، فايكاونت بينبت (رئيس وزراء كندا الأسبق)، سيمون بوليفار (محرر أمريكا الجنوبية)، روبرت بوردون (رئيس وزراء كندا الأسبق)، جيمس بوكانا (الرئيس الأمريكي الأسبق)، روبرت بيرنز (شاعر سكوتلندا الوطني)، كازانوفا (المغامر الإيطالي)، ونستون تشرشل (الزعيم البريطاني أيام الحرب الثانية)، أندريه سبتروين (رائد سيارات سيتروين الفراسية)، مارك توين (الكاتب الأمريكي)، بوب دول (مرشح الرِّئاسة الأمريكي السابق)، آرثر دويل (مؤلف شيرلوك هولمز)، إدوين دريك (رائد صناعة النفط)، كنج جيليت (رائد أمواس جيليت للحلاقة)، تشارلز هيلتون (مالك مجموعة فنادق هيلتون الشهيرة)، توماس ليبتون (رائد شاي ليبتون)، وكثير من رُؤساء الولايات المتَّحدة، بل مؤسسيها، بنجامين فراكلين، وجورج واشنطن، وكاتب النشيد الوطني الأمريكي وملحنه… بعض هؤلاء أثبتت أدلة ووثائق صلتهم بالماسونية، بل تَرؤُّسُهم للمحافل، لكن الكثير لا يُمكنه النفيُّ ولا الإثبات، وهذه هي فلسفة فوضى الدجل، والدجل هو خلط الحقِّ بالباطل، فإما أن تقبل الكل، أو تنفي الكل، وإن رُمت – تحذلقًا – البحثَ والتحري، فقُبَيل انتهائك من بحثك سيرمون لك كمًّا هائلاً من المعلومات على النَّسق نفسه… وشمر إنْ بقي فيك نفس للبحث ثانية… وذا الدهاء مردُّه إلى الخبث الباطني الشيعي المجوسي، عباقرة الدجل تاريخيًّا، حتى حوَّلوا النِّفاق والكذب دينًا سَمَّوه التقيَّ! سبحان ربي! ولك المقارنة بين أولئك وهؤلاء في شرهم، أتواصوا به؟ إي نعم، أخذ الآخِر عن الأول.
[19] الثانوية هي من العقائد الماجوسية قائمة على اعتقاد أنَّ للعالم قُوتين خيرًا وشرًّا، نورًا وظلامًا، ثم تنشأ عن هذا المعتقد فِرَقٌ وطوائفُ لكلٍّ نظريتها في تفسير العلاقة بين القوتين، ثم العلاقة بين البشر، وكلتا القوتين مجتمِعَتَين أو منفصلَتَيْن كلٍّ على حدة.
فالثانوية هي عقيدة أو نظرية وليست فرقة، بل هذه العقيدة مُتبنَّاة من فرق عدة تتشاطر هذا الأصل العقدي، ومن هذه الفرق طوائف المجوس والزرادشت والديصانية والمزدكية والمانوية، والبوذية والهندوس والبراهمتية.
والمانوية: فرقة عقدية أتباع الراهب ماني، كان راهبًا في نجران، ثم سن لنفسه مذهبًا عقديًّا جامعًا بين الزرادشتية والنصرانية، فهو يُؤمن بنبوة زرادشت وعيسى معًا، ورأى أنَّ العالم من قوتين نورٍ وظُلمة، وهما في صراع دائم، وبينما قال زرادشت بأنَّ النور أو الخير هو المنتصر في النِّهاية، فحثَّ على التناسُل والتكاثر، فإنَّ ماني رأى في امتزاج النور والظُّلم شرًّا لا بُد التخلُّص منه بقطع النسل، وتحريم النكاح حتى يستعجل الفناء، وكان يدعو إلى الزُّهد، وترك العمل وكسب الرزق، عاش أتباعه إلى القرن الثالث عشر بين المسلمين، وأخذ بمذهبهم أناسٌ من أوروبا.
[20] لفظ “حيرام” لفظ عبري وفينيقي اختصار لكلمة “أحيرام”، ومعناه: “الأخ يرفع”، وهو ملك صُور، الذي شيَّد هياكل لعشتاروت.
كان حيرام صديقًا لكلٍّ من داود وسليمان، ويبدو أنَّه كان يَود تطويرَ مَملكته تجاريًّا، ولذا فقد وسع مدينته، وبنى رصيفًا على الجانب الشرقي، واشترك مع سليمان في إرسال بعثة بَحرية إلى أوفير للبحث عن الذَّهب، وقدَّم حيرام أخشاب الأرز والسرو لبناء الهيكل، والصُّناع المهرة؛ ليساعدوا في تجهيزِ الخشب والحجر، ومقابل ذلك قدَّم له سليمان الحنطة والزيت ومُقاطعة صغيرة من فلسطين.
كما أنَّ اسمَ “حيرام” كان يُطلَق على الصانع الذي أرسله حيرام (الملك)؛ ليصنع الأجزاء النحاسية في الهيكل كالأعمدة؛ “موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: عبد الوهاب المسيري. ج10، ص 281”.
في السنة 43, استدعى الملك هيرود آغريبا أعضاء محكمة القدس:
• الملك هيرود آغريبا (Herod Agrippa): المعظم الأول لدى الماسونيين.
• باقتراح من حيرام آبيود (Hiram Abiud)، وهذا هو المعظم الثاني عند الماسونيين، مستشار الملك الذي كان المؤسِّس الحقيقي للماسونية القديمة، هو الذي اقترح اسم الجمعيَّة القوَّة الخفية حسب هذه الوثيقة.
• وبموافقة موآب ليفي (Moab Levy).
• آدونيرام (Adoniram).
• جوهانان (Johanan).
• يعقوب آبدون (Jacob Abdon).
• آنتيباس (Antipas).
• سولومون آبيرون (Solomon Aberon).
• وآشاد آبيا (Ashad Abia).
[21] البحث في العلاقة بين البروتستانت والماسونية بَحث صعب وواسع، ومن تعقيداته كون أحد الطَّرفين منظمة سرية لا تعلِن عن كل ما لَها، وما ورد هنا آراء خاصَّة وملاحظات من خلال بَحثي في المنظمات والحركات الهدَّامة، وإن كان بعض الباحثين ألمح لما بينت، لكن دون إيراد صور المقارنة أعلاه، وحال اكتمال البحث، سينشر بإذن الله، والله أعلم.
[22] “سري للغاية”، يسري فودة، قناة الجزيرة الفضائية.
[23] “موسوعة اليهود واليهودية”، عبدالوهاب المسيري، ج15، ص298.
[24] راجع: “دعوة التقريب بين الأديان”، دراسة نقدية في ضوء العقيدة الإسلامية، أحمد بن عبدالرحمن بن عثمان القاضي.
[25]   هذه خلاصة مذكرة ليسانس في العقيدة ومقارنة الأديان، موسومة بـ “دعوة التقريب بين الأديان: دراسة نقدية”، قدمتها سنة 2004.
[26] “أصول الإسماعيلية”، ص 194 – 195.
[27] “التسلل الباطني في العراق”، مكي خليل، ص 126.
[28] “رسائل إخوان الصفا” نقلاً – عن التسلل الباطني في العراق، ص 126.
[29] لا يَختلف هيكل سليمان في معماره عن الهياكل الكنعانية التي يبدو أنَّها تأثَّرت بالطراز الفِرْعَوني، الذي أخذه الفينيقيون من مصر، وأضافوا إليه ما أخذوه من الآشوريِّين والبابليِّين من ضروب التزيين، ولذلك فإن الطراز الذي بُني عليه الهيكل يُسمَّى “الطراز الفرعوني الآشوري”، وذلك على عكس هيكل هيرود الذي اتبع أساليبَ المعمار اليوناني الروماني، وقد كان العبرانيون يعتقدون أنَّ هيكل سليمان إحدى عجائب العالم، لكن هذا كان راجعًا إلى جهلهم بأنَّ هناك معابد مصرية وآشورية عجيبة في ضَخامتها.
[30] سيجد القارئ هذا المصطلح في العديد من البحوث، لكن الأصح هو “القبَّالاه” وهذا في اللغة العبرية، وهو مشتق من القَبول، لكن بعض الباحثين العرب ينقلونه من اللغات اللاتينة، فيكتبون القاف كافًا.
[31] أصل (القابالاه) من التراث الوثني للسحرة، نقل عبر أجيال من الأديان من بينها اليهود.
[32] وقد أصبحت كلمة “الكابالا” Cabala منتشرة في الأزياء والإكسسوارات، حتى إنَّها قد تباع لدينا دون أنْ نعلمَ ماذا تعني، هل سبق أن اشتريتم (بلوزة) أو (بودي) أو (تيشيرت) مكتوبًا عليه كتابة باللغة الإنجليزية، دون أن تعلموا ما معناها؟!
[33] “موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية”، عبدالوهاب المسيري، ج13، ص421.
[34] “النحلة الشيطانية”، الروافد الثقافية للوثنية اليهودية، محمد المبارك، ملتقى أهل الحديث.
[35] من الوقائع ممارسة طقوس وحشية تقوم على تقديم الضحايا البشرية بقتلهم بفنون من التعذيب والوحشية، بقصد استخدام دمائهم المسفوحة في أغراض دينية؛ تقرُّبًا إلى الله، وقد كشفت عنها التحقيقات الرسمية التي أجرتها الحكومات المختصة، وأورد عبدالله التل في كتابه “خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية” كثيرًا من الوقائع المشابهة.
– “اليهودية العالمية وحربها المستمرة على المسيحية”، إيليا أبو الروس، ص160.
[36] “موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية”، عبدالوهاب المسيري، ج 13، ص 428.
[37] “موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية”، عبدالوهاب المسيري، ج 13، ص 429.
[38] كلمة فنان في اللغة العربية هي من أسماء الحمار، راجع: “لسان العرب”، ابن منظور، مادة فن.
[39] الماسونية: حصة “سري للغاية”، يسري فودة، قناة الجزيرة الفضائية.